الخوف من الله (عز وجل) إذا تأصل في نفوس العباد وقاهم الله (عز وجل) به كثيرًا من الشرور والمفاسد والآثام ، ولو أننا خشينا الله (عز وجل) حق خشيته ، واستحيينا منه حق الحياء لكان حالنا غير الحال الذي نحن عليه من التصرفات والسلوكيات ، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : " اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ" ، فالذي يخاف الله (عز وجل) لا يمكن أن يكون كذَّابًا ولا منافقًا ولا مرائيًا ولا مخادعًا ، ولا سارقًا ولا مختلسًا ، ولا عاقًّا ولا مدمنًا ، ولا قاتلاً أو زانيًا ، ولا شارب خمر ، ولا آكلا للحرام ، ولا مانعًا للخير ، ولا معطلاً لمسيرة الوطن ، ولا مفسدًا أو مخربًا ، ولا هدامًا ، ولا فاسقًا ، ولا فاحشًا ، ولا سبابًا ، ولا بذيئًا ، ولا متطاولاً علي خلق الله ، وذلك لإدراكه التام أن الله (عز وجل) مراقب لحركاته وسكناته ، وأنه (سبحانه وتعالي) لا تأخذه سنة ولا نوم : "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَي مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ، وأنه (سبحانه وتعالي) قد يمهل ولكنه (عز وجل) لا يهمل أبدًا ، حيث يقول سبحانه : "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ، وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَي أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ، وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ " ، ويقول سبحانه : "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ".
فمن يخاف من الله (عز وجل) يدرك أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به ، وأن المال الحرام سيكون هلاكًا ودمارًا لصاحبه في الدنيا والآخرة ، وأن آكله سيندم حيث لا ينفع الندم في الدنيا والآخرة ، حيث يقول الحق سبحانه : " أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" ، ويدرك أنه قد يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار بُعد الثريا ، وأن الله (عز وجل) مراقب حركاته وسكناته ومحاسبه علي كل لفظ أو كلمة ، حيث يقول الحق سبحانه : "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، إِذْ يَتَلَقَّي الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ". وحيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : " إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" ، وعندما سأله سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) : "يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَي وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟".
ويدرك أن غدًا لناظره قريب ، وأنه إلي أحد سبيلين لا ثالث لهما: فريق في الجنة وفريق في السعير ، فإما إلي الذين شقوا ، فقد قال رب العزة (عز وجل) في شأنهم : " فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ" ، وإما إلي الذين سعدوا ، وهم من قال الله (عز وجل) فيهم : " وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" ، ويدرك أنه بالاستقامة علي الجادة ينال خير الدارين مصداقًا لقوله تعالي : " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ، ويقول سبحانه وتعالي : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ".
وعلي الإنسان أن يعلم كما أن رحمة الله (عز وجل) واسعة مصداقًا لقوله تعالي : "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" ، وقوله تعالي : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ، فإن هناك أيضًا عذابًا أليمًا لمن تجاوز وتجبر وطغي ، حيث يقول سبحانه : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ " ، وحيث يقول سبحانه : " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَي وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " ، وحيث يقول سبحانه : " يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَي النَّاسَ سُكَارَي وَمَا هُمْ بِسُكَارَي وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ".