نجلاء بدير
مفاجأة: روح الصحافة حية ترزق
من أحداث نقابة الصحفيين الأخيرة بقى فى ذاكرتى مشهدان
الأول خارجى حيث تجمع أمام نادى القضاة عدد غير قليل من الرجال والسيدات يرقصون على نغمات منبعثة من سماعات كبيرة محمولة على سيارة نصف نقل كالتى تستخدم فى الانتخابات. يرفعون صور الرئيس وأعلاماً ولافتات لم أتبين المكتوب عليها ويهتفون بألفاظ بذيئة أحدهم يلوح بحذاء والآخر يشير بإصبعه إشارة بذيئة أيضا.
ورغم ما كان يفصل بينى وبينهم من مسافة وحواجز حديدية وصف من جنود الأمن الأمركزى فإننى تمكنت من أن أرى ملامح وجوههم. وتمكنت من أن أفرق بين تلك الوجوه التى يكسوها قناع مخيف من القسوة وانعدام المشاعر والجمود بفعل تراكم جرعات المخدرات التى تقتل الروح.
وبين وجوه أخرى يكسو ملامحها قناع غضب قاس وبائس فى آن واحد تكون عبر تراكم الذل والقهر والعوز.
رأيت مثل هذا المشهد كثيرا، فالفكرة قديمة ابتكرها أحد أعضاء الحزب الوطنى منذ سنين، بل إن بعض الوجوه لم تتغير من أيام الحزب الوطنى.
المتغير الأساسى هذه المرة هو شعورى، كنت فيما مضى أشعر بالخوف بل بالرعب، فى الوقت نفسه أشعر بالغضب والكراهية.
هذه المرة وقفت طويلا أتأملهم بحزن شديد، تملكتنى رغبة شديدة فى البكاء وتمنيت أن أبكى، لم أبك طبعا، فقد كنت أقف فى منتصف شارع عبدالخالق ثروت فى يوم من أيام سنة 2016 ربما كنت سأبكى بسهولة لو كنت فى سينما كريم فى ليلة من ليالى الثمانينيات.
أنا أيضا مثل هؤلاء المواطنين الشرفاء أصابنى من الضغوط ما يكفى لقتل روحى.
وما يكفى لأندهش من قدرة زملائى الشبان على الرد عليهم (على المواطنين الشرفاء منهم والعاديين) سواء كان ردهم بالحسنى أو بغيرها. وأحسدهم على بقاء روحهم حية.
• المشهد الثانى كان «داخلى» بامتياز
فرغم أننى وصلت النقابة قبل الموعد المحدد لاجتماع الجمعية العمومية بساعتين، ورغم أن حواجز الأمن كانت لا تسمح بالمرور إلا لمن يحمل كارنيه النقابة، وحتى هؤلاء كانوا يمرون بصعوبة ويتعرضون لاحتكاك المواطنين الشرفاء وللوقوف وقتا طويلا على البوابات التى صنعها الأمن، إلا أن الأعداد كانت تتزايد بشكل غير متوقع. والقاعة الكبرى امتلأت تماما بالدور الأول والثانى وجميع أبوابها كانت مغلقة بتكدسات من البشر.
فاضطررت لاستخدام كل خبراتى فى التعامل مع الزحام مستغلة التقدم فى السن، حيث بدأت أطلب من زملائى الصحفيين مساعدتى على المرور مستخدمة كلمة يابنى ويا ابنتى!!
كدت أختنق من الزحام والتكدس والحر الشديد جدا.
لكننى كنت أحمد الله سرا وعلنا، كان هذا الحشد يكفينى لكى أشعر أن روح نقابة الصحفيين حية، وكان الهتاف فى القاعة يتسلل عبر كل مسامى ليصل إلى روحى فى محاولة مستميتة لإحيائها.
كنت أتأمل وجوه الشباب من حولى، وأتخيل معاناة كل منهم اليومية، هؤلاء المعرضون دوما لقهر الشرطة فى أثناء العمل أو حتى فى المشى فى الشارع حاملين كاميرا أو لاب توب.
أتأملهم وأتذكر أن النقيب الحالى الواقف الآن على المنصة يقرأ بيانا يدافع عن كرامة الصحفى، كان يقف مكانهم ويهتف مثلهم بنفس الروح سنة 95 ليرفض القانون 93.
بعد أقل من خمسة عشر عاما سيكون أحد هؤلاء الشباب أو إحدى هؤلاء الشابات نقيبا أو نقيبة للصحفيين.
وستظل روحهم محملة بقوة وصدق هذه اللحظة.
المشهد كله كان ينطق بأن روح النقابة الجماعية حية وستظل ترفض وتعترض.
شكرا لكل من ساهم فى صنع هذا المشهد ليذكرنى ببديهية أن الحياة تستمر حتى بعد موتنا.•