ابراهيم نصر
بين رجب ورمضان.. ترفع الأعمال
أخرج الإمام النسائى فى السنن الصغرى "كتاب الصيام .. باب صوم النبى" عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
قال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله: فى هذا الحديث فؤائد ..أحدها: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
وفي قوله: (يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، كما كان يفعل طائفة من السلف.
ثم قال رحمه الله: وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد:
الفائدة الأولى: أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل. لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه. ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء. وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، فكانوا يستحبون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه.
الفائدة الثانية: أنه أشقّ على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشقّ على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :(للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون).
ورفع الأعمال كما يوضح علماؤنا على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: رفع يومى ويكون ذلك فى صلاة الصبح وصلاة العصر وذلك لما رواه البخارى ومسلم عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
الدرجة الثانية: رفع أسبوعى ويكون فى يوم الخميس وذلك لما رواه الإمام أحمد فى مسنده بسند حسن عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم".
الدرجة الثالثة: رفع سنوى ويكون ذلك فى شهر شعبان وذلك لما رواه أسامة بن زيد من الحديث المتقدم فى صدر هذا المقال.
وفى فضل صيام التطوع جاء فى الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصوم عبد يوماً فى سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً".
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة".
قال الإمام المناوي: "أى من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سبق عذاب.
اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة وتقبل منا الطاعات فى شهر رفع الأعمال، ولا تجعلنا من الغافلين عنه، وبلغنا رمضان واجعله لنا شهر رفع الدرجات، ووفقنا فيه للصيام والقيام وفعل الخيرات، ونجنا يا الله من كل الموبقات.