الأهرام
عبد الرحمن سعد
ابك نفسك.. وتشرَّف بالقرآن
إذا آتاك الله تعالى القرآن، ووجدت له أثرا، فابذله إلى غيرك، وإذا وجدت نفسك، تمر عليك الأيام، ولم تتل شيئا من كتاب الله، فإبك على نفسك.. فما حُرم عبدٌ الطاعة إلا دلَّ ذلك على بعده عنه عز وجل.. قال سفيان الثوري - يرحمه الله - : "أذنبتُ ذنباً فحُرِمْتُ قيام الليل ستة أشهر".
قيل: "لا تبك عَلَى حُطَامْ الدُنْيا، وابك عَلَى نَفسك.. عِنْدَمَا تجدها ضَعِيفة أمام الشهوَات، عَظِيمة أمام الَمَعَاصي.. وعِنْدَمَا ترَى المنْكر، ولا تنكره، أو ترَى الخَيرَ فَتَحْتقره، وعِنْدَمَا تدَمَع عَينك لمْشْهَد مُؤَثِر، بَيْنَمَا لا تتأثر عِنْدَ سَمَاع القَرآن.. ابك عَلَى نَفسك عِنْدَمَا تبدأ بالَرَكَضَ خَلَفَ دُنْيا زائِلة، بَيْنَمَا لَا تَنَافَس أحَدَا في طاعَة الله".

وابك عَلَّى نَفسك عِنْدَمَا تتَحول صَلاتك من عِبَادَة إلى عادَة، وعِنْدَمَا لا تجد لَذَّة العِبَادَة، ولا مُتْعَة الطاعَة.. وعِنْدَمَا تمتليء نفسك بالهموم، وتغَرق فى الأحزان، بينما تَمتلك الثلث الأخَيرَ مَن اللَيْل، وأخيرا: ابك على نفسك عِنْدَمَا تدرك أنك أخطَأت الطَريق، وقَد مَضَى الكَثِير مَن العُمر".

ومن أفضل العلاج في هذه الحالة أن نفر من الله إلى الله، وأن نحاول الخشوع والقرب من القرآن، وأن نبتعد عن كل سيئة تبعدنا عن الله.. سواء في السمع، أو البصر، أو الفرج، أو اليد، أو اللسان.

فإذا حقق العباد ما طلبه الله تعالى منهم، واعترضتهم مشكلة ما، كما اعترضت نبي الله موسى، عليه السلام، فسيجعل الله لهم منها فرجا، ومخرجا.. قال موسى عليه السلام :"كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ".(الشعراء:62)، فكانت الإجابة الفورية، والإنجاء لهم أجمعين، من الله تعالى الرحيم.

وعلى خطى موسى، عليه السلام، سار "العلاء بن الحضرمي"، وقد ولاه النبي، صلى الله عليه وسلم، على البحرين، واستمر في الإمارة في عهدي عثمان، وعمر، وتوفي عام 21 هجريا.

ووردت قصته في كتاب "الفرقان بين أولوياء الرحمن وأولياء الشيطان"، لابن تيمية، وذكرها الحافظ بن كثير في "البداية والنهاية".

وتروي القصة أنه كان مع المسلمين يقاتلون في سبيل الله، فاعترضهم البحر، فقال العلاء: "يا علي يا حليم يا عظيم يا كريم: اللهم إنا عبيدك ونقاتل في سبيلك".

ثم قال لمن معه: "جوزوا معي"، وبدأوا يسيرون على البحر، ما ابتلت حوافر دوابهم، وذلك مثلما أكرم الله تعالى نبيه موسى، عليه السلام، بهذا الأمر.

وغير بعيد عن موسى، عليه السلام، وهو أحد الرسل الخمسة أولي العزم من الرسل، ذكر الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى، في الآية رقم (25) من سورة "النازعات" عن فرعون: "فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى".

قال العلماء: "عاقبه الله عقابا شديدا بسبب كلمتيه الأولى: "مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي"، والآخرة قوله: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى"؛ وقيل: "بين كلمتيه أربعون سنة".

قال سبحانه - في الآية رقم 17 من سورة "عبس" -: "قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ".. قيل: "كل ما في القرآن "قتل الانسان"، أو "فعل الإنسان"، فالمقصود به الكافر.

وفي قوله تعالى: "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا".(17) (الطارق).. يعني "أنهم": (المكذبون): يمكرون مكرا، ويمكر تعالى مكرا، ومكره ـ عز وجل ـ إملاؤه لهم.. فلا تعجل على الكافرين، وأمهلهم قليلا.

ولنستمر مع القرآن.. ذلك أن من تمام حقوقه أن يغرس الإنسان حبه في أبنائه، وأهله، وزوجه.. فمن توفيق الله عز وجل لأهل القرآن أنهم كالشجرة، خيرها لا يقتصر عليها، وجناها وظلها للناس، وكذلك حافظ القرآن وتاليه.. يبلغ حجة الله إلى العباد.

فإذا نفعك الله بالقرآن، فبلغه إلى أهلك، والأقرب إليك، وكن حامل رسالة الله إلى عباد الله، فشرف لك أن تقف مبلغا آية من آيات الله إلى عبد من عباد الله.

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ".

وقال - صلوات الله وسلامه عليه - أيضا :"لا حسد إلا في اثنتين (إحداهما): رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، ويعلمها الناس".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف