الصباح
محمود صالح
خارطة طريق جديدة ل 30« يونيو ».. أو الكارثة
يبدو أن العلاقة بين كل السلطات المتعاقبة على مصر وبين «الدستور» لم ولن تكون جيدة أو قابلة للاعتراف المتبادل بين الطرفين!
حسنًا لنتحدث مع النظام الحالى بعيدًا تمامًا عن الدستور رغم أن النظام اعتبر أن تصويت ملايين المصريين على دستور 2014 إنجاز كبير وتثبيت لدولة 3 يوليو وقضاء نهائى على دولة الإخوان الملعونة، لنتحدث إذًا عن مصطلح شاع فيما بعد 3 يوليو وأصبحت لديه جاذبية خاصة هو «خارطة الطريق».. لقد تحدثت هذه الخارطة عن عدة أشياء عظيمة لم يتحقق منها فى الحقيقة سوى 2 فى المائة تقريبًا لكن الزخم الشعبى واحتمالات تورط مصر فى مستنقعات إرهاب قاس جعل الجميع يتذكرون الحرب على الإرهاب ويتناسون الأهم.. إلى أين تسير مصر وما هى خططها للمستقبل وهل هناك نظام جديد يتأسس أم أشخاص يستبدلون بأشخاص؟
تعالوا نتذكر.. وقف الفريق عبدالفتاح السيسى ببزته العسكرية ممسكًا بأطراف منصة الخطاب، فاردا ذراعيه، ومستجمعًا إرادته ليعلن خارطة طريق جديدة تنهى حكم الإخوان فعليًا وتضمنت تمكين الشباب فى كل مؤسسات الدولة، وعمل ميثاق شرف إعلامى، وتولى رئيس المحكمة الدستورية حكم البلاد إلى حين إجراء انتخابات جديدة..إلى آخره، ما حدث هو فقط تولى المستشار عدلى منصور حكم البلاد لمدة عام وإعداد دستور جديد، بعدها تفرغت الدولة بكامل هيئاتها ومؤسساتها لعملية اعتبرها وطنيه تمامًا وهى تنظيف مصر تمامًا من الإخوان والأهم من فكرة خلط السياسة بالعنف أو تلويح أى طرف بمنازعة الدولة فى استخدام السلاح، خلال هذه الفترة التى امتدت لأكثر من عامين توقع البعض أن «خارطة الطريق» ستكون بمثابة وثيقة سياسية حاكمة فى مصر، ربما تعلو حتى على الدستور بحكم الأحدث الهائلة التى صاحبت إطلاقها، فوران مشاعر عودة الشعب ومؤسسات الدولة إلى الالتحام، معجزة إنهاء الحكم الدينى فى عام واحد، فرحة المصريين بشخص عبدالفتاح السيسى الذى بدا وقتها مخلصًا وبطلًا قوميًا، لكن السياسة وموازين القوى لا تعرف المشاعر أبدًا، ففى الحقيقة كانت كل قوى الشر القديمة تتجمع فى ثنايا وتلافيف 30 يونيو، واستطاعت هذه القوى تجميع صفوفها، وأن تمسك بمقاليد كثيرة وتفرض منطقها المعادى للتغيير، كما استطاعت أيضًا الإطاحة بأنبل ما فى 30 يونيو «استدعاء الشعب لمعارك كبرى حقيقية، تجسد الإرادة الوطنية فى وجه الجميع دولا وأفراد، استعداد الجميع للتضحية فى سبيل بقاء مصر وطنا وشعبًا واحدًا متماسكا».
كانت النتيجة أن شاهدنا الآن ما نشاهد.. وهو لا يوصف سوى بأنه تحول إرادة التغيير إلى طموح هزيل للغاية ينتفخ وهمًا.. فالدولة التى قامت فيها «ثورتان» تسعى الى أن تكون «دولة تسيير أعمال»!
الفارق بين «تغيير الأحوال» و«تسيير الأعمال» هائل وكبير
الأولى تستلزم مسحًا وسحقًا لماضٍ بليد وتافه للغاية مثلته دولة مبارك، واعتراف بحقيقة تدهور وضع مصر على كل المستويات، أما حكماء تسيير الأعمال فخطتهم واضحة ومفرداتهم معروفة.. الشعب يتزايد... الاستقرار التام أو الموت الزؤام.. الشباب حمقى.. النخب مأجورة فإما شراؤها أو فضحها.. إلى آخر هذه المتوالية التعيسة التى حكمت مصر 30 عامًا.
فى الصورة الآن لا تتبدى هذه القوى القديمة إذ تنفث سمومها من وراء حجب، وهى بحكم علاقتها الوثيقة بإسرائيل تؤمن بأنها لا تعادى «الشعب» ولا تتعمد إذلاله إلا من وراء حصون وكامبوندات تدار بعقلية مستشرقين قدامى يحتقرون كل شىء «حقيقى» فى هذا البلد.
فى الصورة الآن السيسى رئيسًا.. لا يزال يتمتع بشعبية لابأس بها، وآمال عريضة من جماهير تتوقع منه التغيير الجذرى، وفى ظنى أن الأمور لا يمكن أن تسير على هذا النحو كثيرًا.. فحتى فكرة دولة تسيير الأعمال ستواجه صعوبه لدى شعب يفهم أكثر مما يعتقدون ويحب بلده بأكثر ما تتوقع جماعات المصالح القابعة فى الحجرات المظلمة.
إن الرئيس السيسى مطالب بوضع «خارطة طريق جديدة» من أجل تحالف 30 يونيو الذى خرج محترموه ووطنيوه بالملايين ليس فقط إنهاء لدولة الإخوان بل لتأسيس دولة جديدة.
وفى خارطة الطريق الجديدة ستكون الأسئلة التى تحتاج الى حسم هى.. هل ستدار مصر بالعلم أم تستمر فى طريق العشوائيات المفرطة.. هل نحتاج الى قانون أحزاب جديد لأول مرة يجعل هناك حياة حزبية دونما تمثيل وإنتاج درامى مشترك بين ممثلين أحزاب ومتصلين من جهات؟.. هل إسرائيل لم تعد عدوًا؟.. كيف نزيح قوى الفساد؟.. هل نسير فى اتجاه ديمقراطية حقيقية أم دولة شمولية على أسس واضحة ومتفق عليها؟.. كيف تكون هناك آلية لاتخاذ القرار؟.. هل يمكن السماح للشباب بالشعور بأن البلد بلدهم وأنهم ليسوا متهمين يسيرون فى شوارع القاهرة تطاردهم تهمة ما؟.. هل الاعتراف بثورة يناير حقيقة أم أنها مؤامرة؟.. «لنتفق ولن نختلف !!».. هل ستمضى مصر فى اتجاه التخطيط المركزى فى الاقتصاد أم أنها دولة اقتصاد سوق بعدما أصاب الوضع الحالى المستثمرين والمواطنين بالحول؟.. أسئلة كثيرة تحتاجها مصر فى خارطة طريق جديدة بعد أن تاه الطريق ..ولم يظهر فيه جليًا سوى مجموعات من البلطجية يريدون الفتك بصحفيين أمام نقابتهم !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف