الصباح
سليمان جودة
الملك فى شرم!
أبرزت الصحافة المصرية فى غالبيتها، صورًا للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، وهو يتجول فى شرم الشيخ، ويمارس رياضة الغوص، ويلعب الجولف ثم وهو يتصور مع سياح فى المدينة!
وكان الملك فى زيارة رسمية للقاهرة، عقد خلالها عدة اتفاقيات اقتصادية معنا، ثم طار بعدها إلى شرم، حيث قضى إجازة خاصة.
وجاءت زيارته بعد زيارتين لخادم الحرمين الشريفين ثم للشيخ محمد بن زايد، نائب رئيس الإمارات، لتشكل الزيارات الثلاث حلقة من حلقات، فى علاقة تمتد وتقوى كل يوم، بين مصر، وبين دول الخليج الثلاث، وهى علاقة كان الجديد يضاف إليها كل يوم تقريبًا، وكانت الدول الثلاث مع الكويت، تمثل الداعم الأكبر لنا عربيًا، فيما بعد 03 يونيو 3102، ولا أعتقد أن مصريًا يُخلص لبلاده سوف ينسى ما قدمته الدول الأربع للقاهرة بشكل عام، ثم منذ قامت ثورة 30 يونيو بشكل خاص.
هذه مقدمة قد تكون قد طالت أكثر من اللازم، قبل أن أقول بعدها إن الذين أبرزوا صور الملك، على أنها رسالة إلى السياح ليأتوا من العالم إلى شرم، ربما يكونون حسنى النية بأكثر من اللازم!
إن الملك حمد يظل مشكورًا بالطبع مرتين: مرة لأنه اصطحب معه فى زيارته الرسمية وفدًا رفيعًا من رجال المال، والاقتصاد والأعمال، راغبًا بجد، فى أن يقدم ما يستطيعه لمصر فى ظروفها الاقتصادية الحالية.. ثم مرة أخرى لأنه ذهب إلى شرم ليلتقط الصور المنشورة، وليقول من خلالها، إن المدينة آمنة لمن يريد أن يقضى وقتًا فيها.
مشكور الرجل مرتين.. ولكن السياح سوف يأتون فى الحقيقة إلى شرم لأسباب أخرى، وهى أسباب تتصل بطبيعتها بنا، قبل أن تتصل بزيارة لهذا الملك أو لذاك الرئيس!
إننا نعرف، والسياح يعرفون، أن الملك حمد- مثلا- إذا زار شرم فإن زيارته تحظى بتأمين يليق بملك، وبالتالى فالكلام عن أن وجوده، ثم تجواله فى المدينة سوف يجلب السياح إليها، هو كلام أقل ما يوصف به، أنه كلام غير واقعى، كما إنه كلام يحلق فى الفضاء، أكثر مما يقف بقدمين على الأرض!
إن روسيا قد أوقفت تدفق سياحها على المدينة، منذ حادث الطائرة الشهير، ولاتزال موسكو تضع شروطًا محددة لعودة سياحها، وهى ليست شروطًا بالمعنى المفهوم لكلمة شروط. ولكنها مطالب تتعلق بإجراءات الأمن فى المطار هناك، والمؤكد أن هذه المطالب ليس من بينها أن يزور الملك.. أى ملك.. مدينة شرم، ويلتقط صورًا فيها!
وإذا كانت كل المؤشرات تقول إن حادث الطائرة مصنوع، وأن الذين وقفوا وراءه أرادوا ضرب السياحة فى أهم مورد لنا منها، فإن هذا لابد أن يجعلنا أكثر جدية فى الأخذ بما يريده الروس، ومن ورائهم الإنجليز، من اشتراطات أمنية لا تنال من سيادتنا على مطاراتنا فى شىء كما قد يتصور الذين يأخذون الأمور بالعاطفة الوطنية، ولا ينظرون إليها بالعقل الواعى، ويكفى فى هذا السياق أن نعرف أن شركة «العال» الإسرائيلية للطيران مثلًا تضع الرحلات القادمة إليها من لندن، تحت تفتيش خاص تقوم به بمعرفتها فى المطار، ولم نسمع إنجليزيًا يقول إن وجود ضباط لـ«العال» فى مطار بلادهم، ينتقص من سيادتها.. لم نسمع.. ولن نسمع!
وليس عندى ذرة من شك، فى أن شرم تدفع بضرب السياحة فيها جزءًا من ثمن أكبر يدفعه المصريون منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.. لأنهم أطاحوا بالاخوان فى 30 يونيو 2013، ولم يسمحوا لهم بابتلاع الدولة وأفهموهم أن البلد أكبر منهم، ومن أى جماعة سواهم.. ليس عندى شك فى ذلك.. ولكن مسئولية إعادة السياحة إلى طبيعتها فى شرم، تظل تقع علينا نحن، ونظل نحن المسئولين عن إعادتها كما كانت وربما أفضل، ولن ترجع بالأمانى ولا بالأحلام، ولا حتى بالصور الملكية من نوعية صور الملك حمد الذى يبقى لمقامه الملكى الاحترام الواجب!
نريد أن نقطع الطريق على الروس، والإنجليز، ثم على غير الإنجليز والروس، ونريد أن يكون الأمن فى المدينة على أفضل ما يكون، وإن أعلى من حيث مستوى أدائه، مما يتصورون هم أنفسهم، ونريد أن ننتبه إلى أن هناك مئات الآلاف، بل ملايين المواطنين، الذين لا دخل لهم سوى من السياحة، وهؤلاء لابد أنهم الآن فى وضع لايعرف حقيقة بؤسه إلا الذى يراه عن قرب، وإلا الذى يزور شرم، ويطالع حالها البائس.
وسوف تعود شرم كما كانت فى الأول، وأحسن وسوف يتحقق ذلك بإرادتنا نحن لا بإرادة أحد غيرنا، وإذا أردنا بجد فسوف يريد الله لنا.. فإن لله عبادًا إذا أرادوا.. أراد!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف