السيد الغضبان
علی الهوا- ثالوث تشويه الإعلام
يجمع الشعب المصرى على توجيه اتهامات عديدة للإعلام الرسمى والخاص، بالتخلى عن القواعد المهنية تارة، وتارة أخرى بالتردى فى مستنقع التعصب والتخلف والتفاهة، ويضيف الكثيرون اتهامات أكثر خطورة.
الحقيقة التى لا ينكرها منصف أن الإعلام المصرى عامة والإعلام المرئى والمسموع خاصة، ليس بريئا من هذه الاتهامات ولكن الحقيقة التى لا تخفى على أى خبير إعلامى، أن عددا من الإعلاميين يحاولون الالتزام بالمعايير المهنية المحترمة ويبذلون جهدا خارقا لتقديم أعمال محترمة.
البحث الموضوعى عن سبب هذا التردى المزرى يكشف عن أسباب كثيرة لعل أبرزها ثلاثة أسباب جوهرية:
أولًا 1 - ظلت الحكومات المتعاقبة منذ بدء البث الإذاعى واحتكار الحكومات لهذا البث، تعتبر الإذاعة «بوقا» مهمته الدفاع عن قرارات وممارسات الحكومات ضاربة عرض الحائط بكل القواعد المهنية سواء المتعلقة بحق الجماهير فى تدفق حر للأخبار أو فى الاستماع إلى الآراء المختلفة، خاصة ما يعارض فيها سياسات هذه الحكومات، وعندما بدأ البث التليفزيونى تعاملت معه الحكومات بنفس المنطق.
2 - بعد التطور الهائل فى أساليب البث عبر الأقمار الصناعية، وعدم قدرة الحكومات على حجب البث المتدفق من الفضاء تم السماح لرجال الأعمال بإنشاء القنوات الفضائية الخاصة، وظلت الحكومات قادرة على تحجيم حرية هذه الفضائيات الخاصة بضغوط يرضخ لها أصحاب هذه القنوات، حرصا على مصالحهم المادية التى يعلمون تمام العلم أن لدى الحكومات وسائلها لإلحاق الضرر بهذه المصالح إذا لم يرضخوا لتعليمات الحكومات.
ثانيا: 1 - رجال الأعمال.. وهؤلاء جميعا قدموا من خارج الجماعة الإعلامية، ومعرفتهم بالإعلام شديدة التواضع، وأنشأوا هذه الفضائيات لتكون ذراعا إعلامية يستخدمونها للدعاية لمنتجاتهم والأهم يستخدمونها كأداة ضغط تحقق لهم مكاسب يطلبونها من الحكومات، أو تدفع عنهم ضررا يتهدد مصالحهم. أى أن هدفهم لم يكن له علاقة على الإطلاق بمهنة الإعلام التى تؤدى دورا بالغ الأهمية فى المجتمعات المتقدمة باعتبارها منبرا حرا للتعبير عن ضمير الجماهير.
2 - انعدام خبرة أصحاب القنوات بالإعلام مهنة وجماعة سمحت لبعض الأدعياء من متواضعى الخبرة أو حتى ممن لا خبرة لهم بأن يتولوا المناصب القيادية فى هذه القنوات الخاصة.. والنتيجة الطبيعية هذا العبث الذى يضرب الإعلام.
ثالثا: 1 - الإعلان.. وهذه هى الطامة الكبرى.. فإنشاء وتشغيل قناة فضائية تكاليفه باهظة..وهنا تقدمت وكالات الإعلان بالحل السحرى لرجال الأعمال، وهو توفير عوائد مادية هائلة بشرط أن يهيمن الإعلان بشكل تام على المحتوى الذى يبث من هذه القنوات.
2 - قبل رجال الأعمال الصفقة وتولت وكالات الإعلان فرض توجهاتها التى تتلخص فى جذب المستمع والمشاهد بكل وسائل الإثارة مهما بلغ انحطاطها وتفاهتها واستبعاد كل ما هو جاد.
3 - الكارثة الكبرى أن الإعلام الرسمى نتيجة لإدارة فاشلة على مدى سنوات، استسلم لهذا المنطق وأصبحت وكالات الإعلان هى التى تهيمن بالكامل على جميع وسائل الإعلام فى مصر.
هذا الثالوث سيظل يهبط بالإعلام إلى الدرك الأسفل، ما لم يتمكن الإعلاميون من تحرير الإعلام من قبضة هذا الثالوث.