المساء
محمد جبريل
من المحرر- المكان
تعدد من نسبوا إلي أنفسهم فضل حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل. ورغم أن فوز سيد الرواية جاء تشريفاً للجائزة بأكثر من أن تكون تزكية له. فإن المستشرق الفرنسي أندريه ميكيل. كان الأقرب إلي لجان الجائزة. لثقتها في ترشيحاته. من خلال علاقة علمية وعملية طويلة.
ترشيح أندريه ميكيل لنجيب محفوظ لم يكن مطلقاً. فقد لاحظ علي الروائي الكبير أنه يذكر أسماء الشوارع والبنايات دون أن يهب قارئه رائحة المكان. لا يكفي أن يذكر بين القصرين. ولا قصر الشوق. ولا النحاسين ولا السكرية. دون أن يجسد علي الورق صورة الحياة في هذه الأمكنة.
في كتاب الناقد الشاب الدكتور أحمد فرح "البنية السردية في النص العجائبي" تطالعنا وجهات نظر مغايرة.
ديفيد لودج. يري أن الخطر الذي يمثله الاستغراق في الوصف التفصيلي للمكان هو توارد سلسلة من العبارات الحسنة التكوين. مؤذنة بتوقف السرد القصصي. مما يحمل القارئ علي النوم.
يضيف أحمد فرح في كتابه المهم أن الاهتمام المتزايد بوصف المكان. وبروزه كلوحات منفصلة أحياناً. ينحصر دوره في الإيهام بالواقعية. أو لمجرد الزينة والتوشية في بعض الأحيان.
يستعرض الروائي ـ والقول لأحمد فرج ـ من خلال مهارته اللغوية والتشكيلية. وقد يأتي لمجرد التمهيد للأحداث الروائية. ما جعل الكثير من النقاد. نقاد ما بعد الحداثة بخاصة. يشككون في أهمية المكان. إن كان علي هذا النحو. ويعدونه بالتالي عبئاً علي السرد.. يزكي قوله برأي رولان بارت. الذي يجد في وصف المكان علي هذا النحو أنه ليس سوي الجزء الذي يشغل تلك الصفحات التي يمكن للقارئ أن يقفز عليها. دون أن يسيء ذلك إلي الرواية. لأنه لا يعدو أن يكون حشداً ووصفاً زائداً. لا يخدم السرد. إذا جاء لمجرد الزينة. أو التمهيد للقص. أو لمجرد الإيهام بالواقعية.
رأيان متقابلان. متضادان. يعيب أحدهما علي الفنان أنه لا يقدم ملامح المكان. ويعيب الثاني استغراق المبدع في وصف المكان بما يسيء إلي فنية السرد.
تحضرني نصيحة أستاذنا يحيي حقي. أن يعني المبدع بما تمليه موهبته. دون أن تستوقفه ملاحظات النقاد ونصائحهم. أذكر العديد من البدايات التي بشرت بمواهب واعدة. لكن أصحابها صرفوا انتباههم لملاحظات النقاد. حذفوا وأضافوا وبدلوا في تناول الشخصيات والأحداث. أغفلوا مواهبهم لصالح توجيهات النقاد. فطالعتنا رقصة الغراب الذي قلد مشية الطاووس. رغم أن الفنان طاووس حقيقي. لا صلة له بالغراب الذي حاول تقليده.
أشير ـ بالمناسبة ـ إلي الروائي الفرنسي العظيم بلزاك. حينما اعتذر لقارئه بأنه قد أسهب في وصف الشارع في قصته "علي من يقع اللوم" لأنه هو الشارع الذي نشأ فيه!!
السرد الفني ليس موضوعاً في الإنشاء. يلبي توجيهات المدرس. لكنه تعبير عن موهبة المبدع. وهي موهبة بلا آفاق تنتهي إليها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف