المساء
مؤمن الهباء
شهادة -ماذا تعرف عن الحرية؟
لا لوم علي النائبة الفاضلة التي طالبت في مجلس النواب بذبح الصحفيين.. لا لوم عليها مطلقا.. فهذه حدود معرفتها.. هي قطعا لا تعرف شيئا عن الصحافة ورسالتها وحريتها.. هي لا تدرك خطورة الدعوة التي اطلقتها.. ربما قالوا لها إن الصحفيين مجموعة مناوئة للوطن.. أو هم أعداء الوطن والجيش والشرطة.. وهي باعتبارها مواطنة صالحة صدقت ذلك وتفاعلت معه.. وطالبت بذبح هؤلاء الأعداء.. وهي لا تدري أن دعوتها تحمل أكبر إساءة وأكبر تشويه للوطن الذي تحبه.. وللدولة التي تريد الدفاع عنها.
العيب ليس عيبها علي كل حال.. العيب عيب من أوصل إليها رسالة مغلوطة.. أو مسمومة.. وربما يكون عيب من أفهمها أن حب الوطن لا يعني إلا أن تكوني في الصف الواحد.. والصوت الواحد.. وأن الحرية كلمة عيب في الذات الوطنية.. لأنها تعني الخروج علي الاجماع.. والتطاول علي أصحاب المقامات الرفيعة من الوطنين الذين شجعوها وساندوها حتي تجلس علي المقعد الخطير في المجلس الموقر.
هي معزورة بلا شك.. لأنها وعبر تاريخ طويل من الممارسة السياسية مقتنعة بأن الوطنية لا تعني أكثر من ¢موافقون¢.. موافقون لأننا وطنيون.. ومن يخرج عن الموافقة فقد خلع رداء الوطنية.. هي صورة نيابية حديثة لـ ¢البريء¢ أحمد زكي.. فرد الأمن المركزي الذي أفهموه انه ذاهب إلي السجن لمحاربة المساجين أعداء الوطن من طلبة الجامعات الذين يهتفون للحرية.. ويقينا سوف تستفيق النائبة الفاضلة في يوم ما تعرف من هم أعداء الوطن الحقيقيين كما عرف ¢البريء¢.. والأهم من ذلك أن تعرف قيمة الحرية.. وحرية الصحافة تحديدا.
ولا لوم أيضا علي ¢بعض¢ الذين ساعدتهم الصحافة في الحصول علي حقوقهم أو بعض حقوقهم ثم انقلبوا عليها الآن.. هم يعرفون جيدا انه لولا حرية الصحافة ولولا شجاعة الصحفيين في الدفاع عنهم لماتوا كمدا.. لكنهم اعتادوا علي أن يركبوا الموجة.. أي موجة.. جريا وراء مصالحهم.. ولكن عند أول منحني خطر لن يجدوا أمامهم غير الصحافة والصحفيين.. ولن نتخلي عنهم لأن هذه رسالتنا وهذا دورنا.
هؤلاء.. مثل النائبة الفاضلة - لا يدركون قيمة حرية الصحافة إلا عندما يحتاجون إليها.. ساعتها فقط يعرفون أن حرية الصحافة تاج علي رأس الوطن والمواطن.. فهي صمام الأمان لهذا المجتمع حتي لا يسقط في مستنقع الديكتاتورية.. وبدون حرية الصحافة سوف يفقدون المنبر الذي يعبر عن صوتهم ويدافع عن حقوقهم ويتبني مطالبهم العادلة.
وهؤلاء.. مثل النائبة الفاضلة - متأثرون بالمناخ الثقافي الذي يشكك في الرأي الآخر والصوت الآخر.. ويجعل من الحرية قيمة سلبية متهمة ومتآمرة.. ودون أدني إدراك لكون حرية الصحافة انعكاسا حقيقيا لحرية المجتمع.. كل ما يعرفونه وما يسمعونه أن الحرية ترف لهؤلاء الصحفيين الذين يريدون أن تكون علي رأسهم ريشة.. وهم في الحقيقة يستحقون الذبح.
المواطنون الشرفاء أيضا لا يعرفون قيمة حرية الصحافة.. ولا يدركون قيمة المبني الذي وقفوا أمامه يرقصون ويشتمون أصحابه. مبني نقابة الصحفيين. وهم أيضا معذورون.. لأن أدوات التثقيف في مجتمعهم من إعلام وتعليم وثقافة لم تزرع فيهم بذرة الحرية.. وكم خرجت مظاهرات ضد الديمقراطية وضد الحرية.. لقد تم الزج بهؤلاء في قضية لا قبل لهم بها.. وليسوا ملمين بكل أبعادها.. ولا يتوقع منهم أن يدافعوا عن الحريات.. وأن يفكروا في الوجه الآخر للصورة التي تقدم إليهم.
وللسيدة الفاضلة عضو مجلس النواب.. وللمواطنين الشرفاء.. نقول إن حرية الصحافة هي معيار تقدم الأمم.. وعنوان الشعوب الواعية.. ومن يلهث اليوم لذبح الصحفيين أو إهانتهم سوف يحتاجهم غدا لرفع الظلم الذي قد يقع عليه.. وسوف يجد الصحفيين في خدمته.. وستكون النقابة العريقة بيته الذي يؤويه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف