الأهرام
سكينة فؤاد
من دبى.. والقاهرة.. والقمح
ثلاثة أيام في دولة تراهن علي المستقبل وتسابق إليه بأحدث منجزات العلم والتعليم وقوة بناء الإنسان وتوفير ركائز السعادة والتسامح وبالانفتاح الواعي علي المجتمعات الإنسانية بمختلف مكوناتها وأطيافها.. أيضا وأهم عدد وعتاد الرهان علي المستقبل المرأة وتعليمها وتمكينها من خلال قدراتها وكفاءاتها والإيمان بحقها في التنافس والتفوق والوصول إلي أعلي المواقع القيادية.. والشباب عموما من الجنسين.

> أتحدث عن دبي.. وعن سفرة سريعة لحضور ملتقي إعلامي استطاع القائمون عليه أن يوفروا له خلال خمسة عشر عاما ـ هي عمره حتي الآن الجدية والاستمرارية والتواصل مع أعداد كبيرة ومحترمة من كتاب ومفكرين وصحفيين وإعلاميين من مختلف الدول العربية ـ دول بعضها مهدد بالغياب عن الخرائط بسبب جرائم التقسيم والتفتيت واعادة رسم حدوده بدماء أبنائه... يبدو لي الملتقي في دبي كوطن يجمعهم. وتبدو الأمة التي تسعي الإمبريالية الأمريكية والصهيونية لتغييبها.. تبدو حاضرة بقوة الكلمة والثقافة والصحافة والفكر والحوار... مصغرا لما كان يمكن أن تكون عليه الأمة السليبة والجريحة..

منتدي الإعلام العربي حقق وجوده القوي بدعم من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وبقيادات نسائية مثقفة رائعة بتكوين متميز من القدرة والكفاءة والدماثة تتقدمهن مني غانم المري الأمين العام للجائرة ورئيسة نادي دبي للصحافة ـ ومني أبو سمرة التي تولت رئاسة تحرير جريدة البيان وفريق رائع من الشباب ومن دارسي ودارسات الإعلام... بوتقة ثقافية وصحفية وإعلامية تنصهر فيها وتتواصل أجيال من المبدعين والكتاب والصحفيين وأجيال من الشباب من الجنسين تتزايد أعدادهم وترتفع الشعب المشاركة من عام إلي عام ـ الجوائز لا تقتصر علي فئات الجائزة فقط ـ الصحافة الاستقصائية والرياضية والاقتصادية والحوار الصحفي وصحافة الشباب والصحافة السياسية والرسم الكاريكاتيري والعمود الصحفي والصورة الصحفية والصحافة التخصصية ـ وجائزة الصحافة الانسانية وجائزة الصحافة الذكية وتمتد لجائزة مهمة تكرم مسيرات صحفية علي مجمل ما قدمت وكتبت وأثرت وتأثرت بها الأجيال ـ شخصية العام الإعلامية.

> ووسط ما تفرق فيه الأمة من آلام كان العنوان العريض للمنتدي هذا العام «الأبعاد الانسانية». وكان من أهم محاور جلسات الحوار ـ كيف يتم خلاص الانسان وما هو الدور المنوط أو المنتظر من الإعلام أن يلعبه وكيف يواجه ويتفاعل مع معطيات واقع ملتبس ومسمم ومراوغ ـ وكالمعتاد كانت مصر حاضرة بقوة مكانتها وزخم مشاركة أبنائها خاصة من أجيال الصحفيين والصحفيات الشباب. وكالمعتاد مشاركتهم الأكبر عددا وأيضا أنصبتهم من الجوائز.

> إذا سألوني عن عنوان عريض للتسابق والاختيار أقول علي الفور ـ الانحياز المبدئي والخالص والمخلص للتميز والتفوق والحرص والتدقيق في اختيار الأعمال الفائزة ليظل للجائزة قيمتها ومكانتها التي اكتسبتها طوال عمرها الذي قطعته حتي الآن ـ 15 عاما ـ وهو ما يفرض علي المتقدمين لها في الأعوام القادمة بمشيئة الله أن يدركوا صعوبة المهمة التي تتطلب منهم عدم التقدم للجائزة إلا بأعمال تتوافر لها أعلي مستويات الجودة والتفرد والتميز.

> كان حضور مصر بقوة أيضا يكشف عن إدراك حقيقي وحق لما يمثله استقرارها وسلامتها للأمة كلها ـ ما دمر وما ظل يقاوم وأن انتصارها علي كل ما يوضع في طريقها من عقبات وتحديديات ومخططات تعجيز .

>أتمني أن أكتب بلا توقف عن عظيم التجربة الإنسانية التي تحدث في دبي وجدية زراعة الحياة والأمل والمستقبل هناك ـ وإن كان واقع مصر وأوجاعها وآلامها تستدعي التعلم.. فقط لا أستطيع أن أختتم الحديث عن المنجزات الحضارية والانسانية لدبي دون أن أتناول تجربة انسانية مدهشة ـ لمجتمع أنعم الله عليه بالثراء فأحسن إدارة ثرواته ومازال ـ ويعتبر ـ رغم الثروة ـ التبرع والمشاركة المجتمعية فضيلة وواجبا ـ فقد رأيت الكثير منهم يرتدون مكان الساعة في معصم اليد حلقة تنتهي بقطعة معدنية لم أتعود شكلها بين الأشكال المتعارف ارتداؤها فيما يقال ضد أوجاع العظام.

>سألت الجالس بجواري ـ هل أستطيع أن أعرف ماذا تؤدي هذه السبيكة المعدنية التي رأيت بعضكم يرتديها؟!

قال لي انها سبيكة مغناطيسية تقوم بتسجيل عدد الخطوات التي يمشيها من يرتديها طوال يومه ـ وبحسب ما تسجله من عدد خطواته اليومية يتحدد نسبة ما عليه أن يدفعه اهداء للانفاق علي مشروع أو مهن انسانية تقوم بها الدولة. أو المجتمع. القضية أهديها لمن استغربوا أو امتنعوا عن تلبية دعوة «صبح علي مصر بجنيه»!!

>أكاد في حجرتي ووحدتي الليلية أختنق بدخان الحرائق التي تشتعل متلاحقة ومتتابعة ـ النيران تلتهم «الرويعي مصرع 3 واصابة 91 وتفحم عشرات المخازن والمحال والسيطرة علي حريق هائل بالغورية ـ وحريق بمبني محافظة القاهرة وحريق مصانع ضخمة بدمياط وتحرك احدي عشرة سيارة اطفاء ـ 100 بلاغ عن اشتعال النيران في 200 ساعة إذا لم نسلم بمحاولة اعادة سيناريو حريق القاهرة في خمسينيات القرن الماضي وبتفسيرات المؤامرة وكل ما أثير من شكوك.. أليس من حقنا أن نجد اجابات موثقة وصادقة وجادة حول أهم سؤال. هل اتخذت جميع اجراءات السلامة المدنية والحماية الواجبة؟!! أحد مسئولي الحماية المدنية السابقين قال إن هذه الحرائق أمر عادي جدا تصريح يتسق مع حقيقة أنه لم يتم حساب مسئول واحد حسابا جادا وتوقيع عقوبات علي قدر ما تسبب الأداء المهمل والمخل من خسائر للمواطنين وللدولة!! ثم ما هي نتائج التحقيقات في كل هذه الحرائق؟!!

>تطغي علي نشرات الأخبار المحن والمشاكل التي تعرض لها الفلاحون ليوردوا أقماحهم. وتتجلي في أزمة التوريد والاهمال المؤسف في إدارة أمور حيوية وبالغة الخطورة كقصة الفلاحين ـ المتكررة كل عام. المشاكل التي يجدونها في توريد أقماحهم وسيطرة مافيا الاستيراد علي السوق وعلي عملية البيع ـ وعلي خلط الأقماح المستوردة بالمحلية لبيعها بأسعار القمح المحلي باعتباره الأفضل والأغلي ومأساة عدم وجود الشون الصالحة للتشوين والتخزين ـ ما حدث هذا العام ليس جديدا.. الجديد الوحيد فيه ثورة الفلاحين وتهديداتهم الخطرة بالتوقف عن زراعة القمح ـ الحوارات تكشف أبعاد المأساة والتناقضات الصارخة بينها تصريحات مسئولين في الزراعة يحاولون تجميل الصورة القبيحة والدفاع عن أنفسهم ولولا الصور التي لا تكذب لواصلوا ما كانوا يفعلونه كل عام من اتهامات للفلاحين!!

الجديد في هذا الموسم ارتفاع غضب وصرخات الفلاحين.. وتهديداتهم بمقاطعة زراعة القمح إن لم يتم ايقاف خلط المستورد بالمحلي ـ الذي اعتادته مافيا الاستيراد ـ ومعالجة البطء في تسلم المحصول ـ ومطالباتهم العادلة بايقاف الاستيراد في موسم الحصاد وتسليم المحصول المحلي ـ الجديد هذا العام أن يتدخل الرئيس بقوة لانقاذ الفلاح والانتاج المحلي.. والحكومة الغائبة تهرول وتحاول أن توفر الحلول التي كان يجب أن تسبق بداية موسم الحصاد ـ إلا إذا كان الموسم جاء بشكل مفاجيء ولم يكن معروفا منذ فجر تاريخ الأرض والفلاح والزراعة والقمح ـ الحكومة تهرول إلي غرفة عمليات لمتابعة توريد الأقماح وتضع خطوطا هاتفية لحل المشكلات وفتح الشون لتسليم المحصول، وصرف عاجل لمستحقات الفلاحين.

مازال السؤال ينتظر اجابة هل كان يجب أن يثور الفلاحون ويغضبوا ويهدروا ويعتصموا من أجل حل مشكلات أقماحهم في بلد يعاني كل هذه الأزمات في انتاج القمح وبما يجعلنا مازلنا للأسف نحتل المرتبة الأولي بين الدول المستوردة للقمح!! وما تردد من قبل عن شراء الحكومة العام الماضي لما يقارب من 2 مليون طن من القمح المستورد الرخيص ـ اشترتها علي أنها قمح محلي مما أدي إلي خسارة 2 مليار جنيه!! ثم عندما يأتي الفلاح ليورد ما زرع من أقماح يجد كل هذه العقبات!!

>هل يخطيء من يشعر أن هناك من يعملون لصالح مافيا الاستيراد؟! وأن هذا الأداء الحكومي المؤسف من أهم أسباب استدعاء غضب المواطن؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف