المصريون
جمال سلطان
الحرائق تشتعل في ثيابك يا سيسي
تتملكني الدهشة الشديدة من تجاهل الرئيس عبد الفتاح السيسي مسلسل الحرائق المثيرة التي تجتاح مصر هذه الأيام ، وكأن تلك الحرائق التي يتحدث عنها الرأي العام وتعلق عليها المنابر الإعلامية الدولية المختلفة ، كأنها تحدث في بلد آخر ، بينما الرئيس مشغول بمقابلات مع شخصيات أجنبية غريبة ، يمكن أن يقابلها أي وزير عادي وليس حتى رئيس وزراء فضلا عن رئيس جمهورية ، مثل مقابلته اليوم مع سكرتير عام الاتحاد الدولي للاتصالات ، وكان أجدر أن يقابل وزير الاتصالات في أحسن الأحوال . خلال أسبوع واحد نقترب من حوالي أربعين حريقا مؤثرا أو كبيرا ومتواليا في عموم مصر ، نصفها تقريبا في العاصمة القاهرة ، وكثير من هذه الحرائق تختار ضحاياها بعناية وبرمزية شديدة ، من أول أسواق العتبة الشهيرة التي ظلت النيران مشتعلة فيها ثمانية عشر ساعة متواصلة وحتى أسواق الغورية التاريخية في قلب العاصمة ، مرورا بمبنى محافظة القاهرة ودار القضاء العالي وعشرات المنشآت والمصانع المختلفة ، والمسلسل ما زال مستمرا ، وجميع تلك الحرائق لم يتم التوصل إلى مرتكبيها أو المتسببين فيها ، بل تم القبض على شهود قالوا أنهم رأوا أشخاصا مجهولين يشعلون الحرائق في منطقة الغورية ، وهي واقعة ما زالت عصية على الفهم والاستيعاب ، وعلى رغم بشاعة الحرائق وضحاياها والأموال الطائلة التي تدفن فيها ، إلا أننا نلاحظ برودا غريبا من أجهزة الدولة ومؤسساتها تجاه هذه الظاهرة ، ولا تستشعر أي حماسة في مواجهتها أو البحث عن أسبابها ، بل أصبحنا نفاجأ بتنبيهات من المطافي وبعض الأجهزة إلى المواطنين بالاستعداد بمراجعة أدوات الإطفاء والتحقق من أنها تعمل بكفاءة ، وكأنهم يخبرون الشعب مسبقا بأن الحرائق ستمتد وتتواصل ، أو كأنهم يتحدثون عن ظواهر كونية لا حيلة لنا فيها مثل أخبار الطقس وتقلباته ؟! . هذه البلاد التي تحرق هي مصر ، وهذه الممتلكات هي ممتلكات الشعب المصري ، وهذه المؤسسات هي مؤسسات الدولة المصرية ، فلماذا يصمت السيسي أمام هذه الكارثة ويصطنع انشغالا بمقابلات وأمور هامشية وأقل خطورة وأهمية بمراحل من تلك الكارثة التي تعيشها البلاد ، أنت "ما بتخافش" خلاص فهمنا ، وأنت "ما بتتهزش" خلاص أيضا استوعبنا ، ولكن اهتمامك بهذا الخطر وضحاياه وتواصلك مع شعبك بشأنه هو أمر تقتضيه المسئولية والإحساس الكافي بها ، ولا صلة لذلك بالخوف أو الاهتزاز ، أن تشعر شعبك بأنك قلق مما يحدث وأنك مهموم به وأنك تتابعه يوميا وتطلب تقارير من مختلف الأجهزة ، هي متطلبات وظيفة رئيس الجمهورية ، ولا يعني ذلك أن الحرائق هزته أو أخافته ، هي مسئولية سياسية ودستورية بالمقام الأول ، خاصة وأن هذه الحرائق تهدد نظامك بالفعل ، لأنها تؤثر على شعبيتك وعلى اقتناع الناس بكفاءتك وثقة الناس في قدرتك على حمايتهم وحماية مقدراتهم ، بمعنى آخر ، هذه الحرائق تشتعل في ثيابك أنت كرئيس للبلاد والمسئول الأول عن أمنها وأمانها وسلامتها ومقدرات شعبها . وسواء كانت هذه الحرائق من أعمال التخريب الممنهج كما يرى البعض ، أو أن تكون من أفعال الإخوان وأنصار الرئيس الأسبق مرسي كما يزعم مؤيدوك ، أو كانت من مؤامرات أقطاب الدولة العميقة التي ترى أن منظومة جديدة تدير البلد الآن وتتجاوز مصالحها ، أو كانت من أفعال بعض الجهات المحسوبة على الدولة لأسباب لا نعلمها كما يزعم معارضوك ، أيا كانت خلفيات هذه الحرائق ، فأنت مسئول عن كل ذلك ، ومسئول عن ملاحقة مرتكبيها ، ومسئول عن كشف حقيقتها ، ومسئول عن مقاضاة المتورطين فيها ، ومسئول عن التواصل مع الشعب عاجلا بشأنها وإعطاء رسائل طمأنة والتزام بوقف هذه المهزلة .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف