التحرير
أحمد عبد التواب
أفضل ما يدعم مشروعات الرئيس..
قال الرئيس السيسى عبارة مهمة تبدو كما لو كانت عابرة أو بسيطة، عندما تحدث عن قيام الأثرياء بدور فى المشروعات ذات البُعد الاجتماعى التى تفيد الفقراء وخاصة من تجبرهم الظروف الصعبة على العيش فى كنف الخطر! وهو ما سمّاه الرئيس ضريبة دمغة لصالح المشروعات الاجتماعية. وقال إنها لن تثقل كاهل الأثرياء الذين يدفع الواحد منهم مبلغاً ضخماً لشراء أرض لإقامة منزل فخم، ولن يُضار صاحب هذا البيت إذا أضيف على الثمن الذى يدفعه مبلغ بآلاف قليلة لصالح الفقراء. وقد ذكر هذا فى سياق افتتاح عدد من المشروعات الاجتماعية أمس الخميس.

يبدو الكلام عادياً، ويبدو أنه واضح بذاته، وعندما يُضاف إليه الغرض النبيل الذى يستهدف انتشال من هم فى هوة البؤس، يبدو أنه واجب لن يجد رفضاً ممن يُوجَّه لهم الخطاب. ولكن، علينا أن نتذكر أن الإثرياء فى مصر، وخاصة من هم شديدو الثراء، أكدَّوا كثيراً، وياللغرابة، أنهم لا يطيقون هذه الأعباء التى يراها الرئيس بسيطة فى حساب البُعد الاجتماعى! ويكفى الإشارة إلى حربهم الضروس ضد قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية على مكاسبهم فى البورصة والذى رفضوه وضغطوا وحاربوا علانية وفى السر حتى نجحوا فى إلغائه. برغم ما قيل آنذاك عن الفائدة التى ستعود على زيادة موارد الدولة بما يمكنها من القيام بمسئولياتها فى الخدمة العامة، ومنها ما يتعلق بالمسئوليات الاجتماعية إزاء الفقراء.



أضف أيضاً عددا من مواقفهم المتواترة، مثل إبدائهم عدم الحماس لفكرة صندوق تحيا مصر منذ البداية، وقد يكون من الأدق القول بتعنتهم ضده من ناحية المبدأ، بل وادعاء بعض أثرى الأثرياء عند مناقشة مساهمتهم أنهم يمرون بأزمات مالية لا تسمح لهم بأى مشاركة، وإشهار بعضهم الخصومة بما وصل إلى اللعب من وراء ستار لوضع الرئيس فى مواقف حرجة يبدو فيها مكبلاً عن المضى فى سياساته!

ومن ناحية أخرى، فإن من حق الرئيس والحكومة أن يبحثوا عن أفضل إعلام، ودعاية، لهذه المشروعات العملاقة، والتى وصلت إلى 32 مشروعاً فى 14 محافظة، غطَّت احتياجات مُلحَّة لقطاعات شعبية عريضة فى الإسكان والطرق والكبارى والمستشفيات والمياه والصرف الصحى وغيرها. وكل هذه مجرد مرحلة تتبعها مراحل مدرجة فى خطة طموحة.

ولا يطعن فى أهمية هذه المشروعات وفى قيمتها وفى تلبيتها لهذه المطالب الجماهيرية إلا عدد من المكابرين والمعترضين على كل قرار قبل أن يصدر، واللابدين فى مكامنهم، بعيداً عن أى مشاركة سياسية حقيقية، ينتظرون ما يبدر عن الرئيس أو الحكومة، ثم ضمّوا إليهم مؤخراً مجلس النواب، ليعربوا عن اعتراضهم الفورى بأقوى الألفاظ، وأحياناً بما يقع تحت طائلة القانون، ولا يبدو عليهم أنهم يهتمون، أو أنهم يدركون، وجوب أن يكون لهم منطق وحجة، على الأقل لصالح صورتهم أمام الجماهير التى يوجهون لها خطابهم!



ومن المتوقع أن يلعب فى هذه المساحة الأثرياء الرافضون للتنازل طواعية عن جزء ضئيل من ثرواتهم، باستغلالهم هؤلاء المعترضين على كل شيئ دائماً! وهى معركة يُستَحسَن توقعها ضد اقتراح السيسى بضريبة الدمغة.

فمن يدافع عن السياسة التى يقترحها السيسى؟

لا يبدو أن هناك سوى فئتان رئيسيتان: الأولى من الفقراء المستفيدين. والفئة الثانية ممن يعتبرها قضية عمره ومعركته المبدئية فى توفير حياة كريمة للفقراء على درب طويل للوصول إلى العدالة الاجتماعية المنشودة.

المطلوب إذن أن تكون هناك جبهة موحدة مستعدة لهذا الصراع السياسى بكل الأسلحة السياسية القانونية.

الاقتراح المفيد الذى يُوَجَّه للرئيس والحكومة، ليس فقط أن يستمروا بقوة فى سياسة المشروعات التى تلبى احتياجات جماهيرية، وهو خط مطلوب ومحمود، وإنما أيضاً بالسير فى خط آخر موازٍ ومتزامن، يدعم طلب جماهيرى أصيل من شعارات الثورة الأساسية، ولا يزال يراوح بين الوعد وبين النكوص، وهو الخاص بتأصيل الحريات الخاصة والعامة، والتى على رأسها حريات الرأى والتعبير والتظاهر..إلخ



وهو المطلب الذى صار أكثر إلحاحاً مؤخراً مع تبنى بعض الأجهزة فى الدولة سياسة خشنة فى مواجهة من لا يملكون سوى أصواتهم فى التعبير السلمى عن أفكارهم ومواقفهم.

أما الآن، فقد بات اطلاق الحريات مفيداً للتوجه العام الرسمى للدولة تحت قيادة السيسى والذى بدأ يتجلى فى هذه المشروعات على طريق العدالة الاجتماعية التى هى من أهم مطالب الثورة، والتى يرزح بعض المدافعين عنها الآن وراء القضبان.

وهو ما يعجل بأمر إعادة النظر فى أحوال كثيرين لا ينبغى أن تواجه الدولة شططهم بشطط، خاصة مع توافر عوامل التخفيف التى ينبغى مراعاتها فى حسن النية وفى ملابسات الفعل، ويستجد الآن عامل سياسى هو ضرورة أن تتاح الفرصة لأصحاب المصلحة الحقيقية فى توجهات الدولة فى التعبير عن مصلحتهم والدفاع عنها، والذى هو فى نفس الوقت دفاع عن السياسة الرسمية، سواء من المستفيدين مباشرة بتلبية الحاجة المادية، أو ممن يناضلون من أجل أن يروا جزءاً من أهدافهم يتجلى على الأرض، والذى لا يجوز له أن يتجلى وهم فى السجون.

والمفروض أنه لا ضرر إذا طُرِحت قضايا السياسة على أرضية البراجماتية لتحقيق هدف عملى، خاصة عندما يجيد الخصوم السياسيون مهارات التنسيق بين بعضهم البعض، إضافة إلى ذكائهم فى التحصل على مزايا مجانية باستغلال مواقف آخرين حتى دون تنسيق معهم قد يلزمهم بأى شيء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف