وراء كل شهيد يسقط من الجيش والشرطة قصة تدمي القلب وتخلع الروح من الجسد ، وداخل كل بيت من بيوت الشهداء حكاية .. وربما حكايات تدمع لها العيون لحظات ثم تجف الدموع ويبقي الأمل أن تشاهد ساعة القصاص العادل حتى تهدأ النفوس وتستقر القلوب الملتاعة في الصدور ، وتسكن الأرواح الحائرة .. دماء الشهداء لن تنتظر طويلا كي يأتيها القصاص!
حادث حلوان الأخير الذي سقط فيه 8 شهداء من رجال الشرطة بدم بارد برصاص الغدر لن يكون الأخير .. وربما وأنا أكتب هذه الكلمات يحصد الإرهاب أرواحا طاهرة غدرا وغيلة ، وربما وأنت تقرأ هذه السطور تقرأ بجوارها خبرا عن شهداء جدد من خيرة أبناء مصر من الجيش والشرطة سقطوا في ميدان الشرف من أجل الوطن.
بين كلمات الشجب والإدانة والاستنكار من الناس وتصريحات المسئولين من الأمن التي تقول في كل مرة أن تلك الحوادث لن ترهبنا ، ولن تفت في عضدنا ، ولن تثنينا عن مواصلة الطريق حتى نجتث الإرهاب من جذوره ، وبين كلمات النخبة علي شبكات التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن الأسف لما يحدث وضرورة التوحد لمواجهة الإرهاب إلي الصرخات المكتومة في صدور الآباء والأمهات والزوجات والأخوة والأخوات والأبناء من أهالي الشهداء ، إلي الألم النفسي الذي يعيشون فيه وهم ينتظرون لحظة قصاص عادل - يشفي الغليل ويضمد الجراح – لا تأتي في الوقت المناسب ، وربما لا تأتي مطلقا ، إلي حالة – أدعو الله ألا تأتي – فقدان ثقة في تحقيق هذا القصاص!
رغم كل ما سبق ،ورغم ما نقوله ونشعر به بعد كل حادث إرهابي خسيس يتحول الشهداء إلي رقم في خبر ، ويصدمنا الخبر مع كل نهار وليل ، وبعد وقت قصير تسكن الأخبار الأرشيف كما تسكن الأجساد الطاهرة القبور ، ولا يبقي غير ساعة تكريم للشهيد وأهله وينتهي الأمر بالنسبة لنا .. لكنه بالقطع لا ينتهي بالنسبة لأهالي الشهداء الذين يتجرعون مرارة الفراق ، وفقدان العزيز الذي كان الأمل والسند عند الحاجة والضرورة ، وألم العجز وهم لا يملكون سلطة تحقيق القصاص العادل من قاتليهم فلا يعرف مرارة هذا الأمر إلا من جربه ، ولا يعرف ألم الدمع الذي يحرق الخدود إلا من يكابده!
القصاص مجرد شعار لم يعد له معني طالما لا أثر له علي الأرض ، ولعل الكثير من أهالي الشهداء أدركوا هذا المعني ورفعوا أكف الضراعة إلي السماء راجين القصاص من رب السماء قائلين وداعين حسبنا الله ونعم الوكيل.
بعد حادث حلوان الأخير سمعت أصوات أهالي الشهداء في مداخلات تليفزيونية.. أمهات وزوجات وأبناء وبنات بلسان صدق يقولون .. لا تحدثونا عن قصاص من القتلة لأنه لن يأتي .. فقدنا الأمل في قصاص عادل وناجز وسريع .. فقدنا الأمل في أن نراه ، وإلا بماذا نفسر أحكام إعدام صادرة بحق قتلة لا تجد طريقها للتنفيذ ؟ لماذا يظل عادل حبارة المتهم بقتل جنودنا في رفح بدم بارد والمعترف صراحة متباهيا بما فعل .. لماذا يظل حيا حتى الآن ؟ كيف نتحدث عن قصاص والقتلة يحاكمون لسنوات ينعمون فيها بالحياة التي سلبوها من شهدائنا ؟ لماذا ينعمون بالنوم والطعام والشراب ونحن جافانا النوم وخاصمت بطوننا الأكل والشراب ؟ كيف ينعمون بمن يبحثون عن حقوقهم في الراحة والعلاج والحياة الآدمية في السجون ويضيعون حقوقنا في القصاص؟
تعهد الدولة بالقصاص لضحايا الشرطة والجيش – في تقديري - تعني سرعة إنجاز القضايا والفصل فيها ، وسرعة تنفيذ الأحكام ، وإذا كان هناك ما يسبب أي تأخير للقصاص فلدينا الآن برلمان لا يجب أن يكتفي بالإدانة والاستنكار لسقوط الأبرياء ، لكن عليه أن يسرع في تغيير القوانين التي تبطئ سير العدالة ويسن قوانين تقصر أمد التقاضي ولا تطيله ، ويسد الثغرات التي يستغلها ويعمل عليها محترفو المحاماة لصالح القتلة والمجرمين.
القصاص يعني تحويل كل قضايا قتل الضباط والجنود من الجيش والشرطة إلي القضاء العسكري بلا خوف أو اعتبار لأحد في الداخل والخارج حتى يتم تعديل القوانين التي تسمح بتحقيق عدالة ناجزه.
القصاص من القتلة في أسرع وقت يحقق الردع ويشفي غليل أهالي الشهداء ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون .. صدق الله العظيم ) 179 سورة البقرة.