المساء
مؤمن الهباء
شهادة- رابطة اللغة العربية
مات صديقي القاص والروائي والناقد الكبير عبدالمنعم شلبي قبل أن يستكمل مشروعه الخاص بتأسيس "رابطة اللغة العربية" الذي كان متحمساً له في آخر أيامه.. وعقد من أجله العديد من الندوات واللقاءات في نادي دار العلوم بالتوفيقية.. ووضع له قائمة بأسماء الأعضاء المؤسسين تضم مجموعة من كبار الأدباء والنقاد والكتاب والأكاديميين المهتمين بقضية اللغة العربية والحفاظ عليها.
وقد عثرت في أوراقي علي صورة من البيان التأسيسي الذي صاغه المرحوم عبدالمنعم شلبي بقلم رصين غيور.. يعكس الهدف النبيل الذي سعي إليه.. وها آنذا أنشره اليوم لعله يذكر أصحابه ومحبيه بالمشروع.. ويجمعهم عليه مرة أخري.
يقول البيان التأسيسي:
اللغة معرفة.. اللغة هوية.. اللغة خصوصية.. يقول علماء اللسانيات إن لكل لغة نظامها الصوتي والتركيبي والنحوي والصرفي.. كما ان لكل لغة ظلالها وبلاغتها وإيحاءاتها.. فأنا عربي لأنني أتكلم العربية.. وهي التي تحدد خصوصيتي وهويتي الحضارية.. والعروبة ليست جنسا ولا عنصرا ولا عرقا.. وإنما هي لغة ودين. علم وأدب. فكر وحضارة وهي ثقافة شاملة ومن أجل ذلك يجب أن ننظر إلي لغتنا علي انها عظيمة الشأن. رفيعة القدر وأن نثق بها وبأنفسنا وبأمتنا وبتراثنا الثقافي والحضاري.. ثقة تحمينا من الشعور بالدونية في تعاملنا مع الآخر.
لقد سيطر علي منطقتنا في الآونة الأخيرة مناخ ثقافي غريب. مفروض علينا من الخارج. وجد له أنصارا ودعاة مغرضين في الداخل. فأثر تأثيرا بالغا في المراكز الحيوية في حياتنا.. في التعليم والإعلام والإدارة والتجارة والصناعة والزراعة والفكر والأدب والفن.. وهذا المناخ متأثر بالمناخ السياسي المسيطر.. ففي التعليم انتشرت المدارس الأجنبية ومدارس اللغات والجامعات الأجنبية انتشارا واسعا.. وكلها تعامل اللغة العربية التي هي لغة الأمة العربية ولغة الثقافة والدين والحضارة كلغة ثانية.. وتحرم علي المعلمين والتلاميذ فيها أن يتكلموا بها داخل جدران المدارس أو الجامعات.. ومناهج التعليم في تلك المدارس والجامعات الأجنبية مرتبطة بمناهج التعليم في بلادها.. حتي صار التلميذ في وطنه غريباً لا يعرف لغته ولا تاريخه.
كثير من المواطنين المصريين والعرب يفتحون مدارس اللغات من باب التقليد بطرق عشوائية وبلا نظام وطني يسيطر عليها ويوجهها.. يقلدون المدارس الأجنبية في التربية والتعليم.. فيربون الطفل في مراحل التعليم الأولي علي استيعاب اللغات الأجنبية والتمرس بأصواتها.. حتي صار الطفل الوطني لا يعرف معاني الكلمات العربية التي تنطقها أمه أو أبوه وأخوه.. وإذا دعي إلي حل مسألة ما طلب من السائل أن يترجم سؤاله إلي اللغة الأجنبية حتي يفهمه.
وفي الإعلام وقع المجتمع كله تحت سيطرة إعلام مشوه وإعلان أكثر تشويها.. فكرا ولغة وفنا.. إلا في بعض الوسائل المتمسكة بأصالتها كالإذاعة وبعض الصحف.. وفي الإدارة والتجارة والصناعة تسود اللغة الأجنبية بين الرؤساء والمديرين وكبار الموظفين.. فلا نكاد نسمع صوتا عربيا إلا من صغار الموظفين أو العمال والبوابين.. وفي الأدب والفن تنتشر اللهجات العامية والأداء الهابط واللغة البذيئة.. وفي حياتنا العامة صرنا نشعر بغربة ونحن نمشي في شوارعنا.. فأسماء المحلات التجارية وأسماء المعروضات فيها من سلع وملابس.. وأسماء المطاعم العامة والأغذية.. وأسماء لعب الأطفال وغنائهم.. كلها بلغات أجنبية.. وهكذا صارت هويتنا محاصرة حصارا محكما يضيق حولها يوما بعد يوم.. ويزلزل كيانها.. وهي تستنجد بنا.. نحن أبناءها المخلصين الأوفياء القادرين علي نجدتها.. ونحن بحمد الله أكثر.
وإذا كان البعض يري ان النجدة الحقيقية لن تكون إلا بإصدار قرار سياسي.. فإننا نقول ان مثل هذا القرار لن يصدر إلا إذا كان هناك رأي شعبي ومطلب وطني عام يضغط حتي يصدر مثل هذا القرار مصحوباً بآليات التنفيذ.
لهذا كله ندعو إلي تكوين جبهة وطنية قوية تحمل اسم "رابطة اللغة العربية" تهدف إلي الدفاع عن اللغة العربية وآدابها والدفاع عن الهوية العربية وثوابتها والعمل علي تطوير اللغة العربية وآدابها من داخلها بعيداً عن الذوبان في اللغات والآداب الأخري والانفتاح علي ثقافات العالم وإجراء حوار معها انطلاقاً من الشعور بالندية. والله الموفق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف