مكرم محمد احمد
هل يملك المجتمع الدولى شجاعة مواجهة «نتنياهو»؟!
كسب بنيامين نتنياهو انتخابات الكنيست الإسرائيلى رغم كل استطلاعات الرأى العام التى كانت تؤكد أن تحالف الليكود سوف يخسر المعركة الانتخابية بفارق أربعة مقاعد لصالح التحالف الصهيونى الذى يرأسه إسحاق هيرتزوج، لأن «نتنياهو» الذى احترف اللعب على مخاوف الإسرائيليين وبرع فى ترويعهم بسبب قضية الأمن، أخرج من تحت قبعته كل القطط الفاطسة، بدعوى أن الدولة الفلسطينية التى يسميها (حماستان) ويمكن أن تحكمها «داعش» تقف -كما يقول- على الأبواب، وما من أحد غيره يستطيع أن يرفضها ويمنع حدوثها!، ولأن عرب إسرائيل يتدفّقون على صناديق الانتخاب مثل الموج الزاحف فى إصرار واضح على إقامة (حماستان)، متناسين أنهم مواطنون إسرائيليون يشكلون 20% من سكان إسرائيل، من واجبهم أن يمارسوا حقهم فى الانتخاب.. تورط بنيامين نتنياهو فى الالتزام أمام الإسرائيليين بلاءات ثلاثة خلال حملته الانتخابية، لا للدولة الفلسطينية، ولا للانسحاب من أى أرض جديدة، ولا لوقف أو تجميد بناء المستوطنات فى أى بقعة فى القدس الشرقية والضفة الغربية.
والآن يحاول «نتنياهو» بعد إعلان النتائج الأولية تخفيف هذه اللاءات التى كان لها وقع الصدمة على المجتمع الدولى، خاصة الغرب والأمريكيين، وأفقدت «نتنياهو» ما يمكن أن يكون قد تبقى له من مصداقية، كما أفقدته احترام العالم أجمع لأن لاءات «نتنياهو» الثلاثة الجديدة تعنى حرباً جديدة فى الشرق الأوسط، وتعنى تهديد استقرار المنطقة وأمن البحر الأبيض والأمن الأوروبى، وتعنى أن ينفجر الفلسطينيون فى موجة عنف جديدة وقد وجدوا أنفسهم فى مواجهة حائط مسدود، كما تعنى إعطاء «داعش» وغيرها من منظمات الإرهاب ذرائع وأسباباً جديدة لاستمرار عملياتها الإرهابية الوحشية فى مناطق عديدة، مع كثرة خلاياها النائمة فى دول الغرب، بسبب كثرة المتطوعين الذين حاربوا إلى جوار «داعش» فى سوريا والعراق، وجاءوا من دول أوروبية عديدة، فضلاً عن تحمّل الغرب والأمريكيين على وجه خاص، عبء هذه اللاءات الثلاثة، باعتبارهم حماة إسرائيل والضامنين لأمنها، رغم التزامهم الصمت حيال الإهانات المتكرّرة من جانب بنيامين نتنياهو، ابتداءً من دعوته اليهود الفرنسيين إلى الهجرة إلى إسرائيل، لأن فرنسا لا تستطيع حمايتهم!، إلى تحديه السافر للرئيس الأمريكى أوباما الذى بلغ حد الإهانة العلنية، عندما أصر رئيس الوزراء الإسرائيلى على إلقاء خطابه الأخير أمام الاجتماع المشترك لمجلسى الكونجرس رغماً عن أنف الرئيس الأمريكى، بهدف تحريض الكونجرس على رفض اتفاق تسوية الملف النووى الإيرانى.
والأخطر من ذلك هو تلك الأوضاع البالغة السوء التى تعيشها مدينة القدس من جراء العنف المتصاعد على نحو غير مسبوق وبصورة شبه يومية، ويتوقع الجميع أن ينفجر فى موجة مقبلة من الصدام الدامى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بسبب حدة الاستقطاب وتصاعد عمليات الانتقام من جانب الفلسطينيين، ووصول حالة التوتر داخل المدينة إلى نقطة الغليان. كما أكد تقرير أخير صدر عن لجنة تضم كل رؤساء البعثات الدبلوماسية العاملة فى مدينة القدس يرى أن السبب يكمن فى إصرار إسرائيل على الاستمرار فى ابتلاع أراضى القدس الشرقية وغمرها بالمستوطنات فى برنامج منظم لا يدع شبراً من الأرض للفلسطينيين!، على العكس يتم هدم منازلهم بدعوى أنها بُنيت دون ترخيص، فضلاً عن الاعتداءات المهينة التى يمارسها المتطرّفون من المستوطنين، التى حفّزت الفلسطينيين على الانتقام لكرامتهم من خلال استهداف المارة الإسرائيليين فى الشوارع والميادين، يتم طعنهم خفية وسط زحام المارة، وفى أى موقع يستشعر الفلسطينى أن لديه فرصة للانتقام لكرامته المهدرة، وكثيراً ما يلجأ الفلسطينيون إلى الصعود بسياراتهم فوق الأرصفة يدهسون الإسرائيليين رغم علمهم بأنهم سوف يلقون حتفهم رمياً بالرصاص!
ويزيد من سوء الأحوال الأمنية فى المدينة اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى بين الحين والآخر، وسيطرة الأمن الإسرائيلى على دخول المصلين إلى المسجد ومراقبتهم أثناء الصلاة، ومنع من هم دون الأربعين عاماً من الصلاة فى أى جزء من المسجد، وإخضاع الأحياء العربية فى القدس الشرقية لرقابة صارمة وسيطرة قاسية للأمن الإسرائيلى، وإلقاء القبض على آلاف الشباب الفلسطينى.
ويقترح تقرير رؤساء البعثات الدبلوماسية العاملة فى القدس الذى يناقشه الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، التزام سياسة خشنة تجاه حكومة «نتنياهو» الجديدة تلزمه بضبط سلوك المستوطنين المتطرفين، خاصة بعد ارتفاع عدد الضحايا إلى 19 قتيلاً خلال العام الماضى، كما يقترح التقرير اتخاذ مواقف أشد صرامة تجاه الاستمرار فى عمليات الاستيطان، ومقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية التى يتم تصنيعها فى أىٍّ من مستوطنات الضفة ومنع دخولها إلى السوق الأوروبية.
ولأن استمرار بنيامين نتنياهو فى سياساته تجاه الأرض المحتلة يُهدد استقرار الشرق الأوسط، ويؤثر سلباً على أمن البحر الأبيض والأمن الأوروبى، تدرس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى استراتيجية بديلة تُلزم إسرائيل بتجميد عمليات الاستيطان بصورة شاملة، وتهيئة المناخ لاستئناف التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول حل نهائى للقضية يعطى الفلسطينيين فرصة لقيام دولتهم إلى جوار دولة إسرائيل.. ويبدو أن الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والأمم المتحدة يخططون لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يؤكد حل الدولتين، ويلزم كل الأطراف بالامتثال لهذا القرار، لأن إغلاق حكومة «نتنياهو» الباب أمام حل الدولتين ورفضها إعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم السياسية المشروعة، وأن يكون لهم صوتهم الانتخابى المعترَف به، يعنى القبول بهيمنة إسرائيل على الشعب الفلسطينى وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية تحت دعاوى عنصرية كريهة لا يمكن أن تكون موضوع قبول المجتمع الدولى.
والواضح أيضاً أن الرئيس الأمريكى أوباما يملك الآن كل المسوغات التى تجعله يقبل التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى، رغم معارضة «نتنياهو»، ورغم إصرار صقور الليكود على أن الاتفاق يشكل تهديداً لوجود إسرائيل، كما أعلن «نتنياهو» فى خطابه أمام مجلسى الكونجرس، لكن الرئيس أوباما لم يأبه بخطاب «نتنياهو»، واستمر فى مفاوضاته مع طهران التى يبدو أنها تحقق تقدماً مطرداً يرسم ملامح وخطوط التسوية الأساسية للملف النووى الإيرانى قبل نهاية مارس المقبل، التى يمكن أن تكون أساساً لمعاهدة أكثر تفصيلاً فى بنودها يتم توقيعها فى يونيو المقبل وعرضها على مجلس الأمن للمصادقة عليها.. وثمة تيار عريض داخل اليهود الأمريكيين يساند «أوباما»، ويحثه على ردع حكومة «نتنياهو» قبل أن يستفحل خطرها، وإنقاذ إسرائيل من حماقات متوقعة تهدّد أمنها رغم أنف صقورها، وتصحيح المعادلة المقلوبة التى جعلت رئيس وزراء إسرائيل أقوى صوتاً ونفوذاً من رئيس الولايات المتحدة، رغم أن إسرائيل تعيش عالة على الأمريكيين.