يبدو أننا نكره أنفسنا ونكره بلادنا.. ونكره الخير لبعضنا البعض.. وليس لدينا الرغبة فى أن ننطلق نحو المستقبل بخطى ثابتة وواثقة.. بلا ضغائن.. ولا صغائر.. فعلى مدى أكثر من أربعين عاما وأنا أسافر خارج مصر.. وما من مرة سافرت خارجها ضمن مؤتمرات ثقافية أو سياسية.. إلا وشعرت بالفخر والشموخ بمصريتى.. وما من مرة إلا وانتابنى إحساس بالفخر والشموخ والعزة.. لأننى أنتمى إلى هذا البلد.. وأحمل جنسية هذا الوطن.. فما من مرة سافرت فيها إلا وبهرنى احتفاء الناس بمصر وشعبها وحضارتها العريقة.. بل إن الغرباء أحيانا يعرفون عن بلادنا أكثر مما نعرفه نحن.. رأيت هذا وعايشته فى مشارق الأرض ومغاربها: فى روسيا والمكسيك.. فى فرنسا وألمانيا.. فى سويسرا وإيطاليا.. فى تركيا ورومانيا.. فى العراق والأردن.. فى سوريا ولبنان.. فى تونس والجزائر.. وكل دول الخليج والسعودية.. حتى وإن عكر صفو العلاقات الخلافات السياسية.. إلا أن كبار السن يكنون لمصر ولشعبها أجمل المشاعر.
وعندما سافرت للصين منذ أيام ومازلت أكتب لكم هذه السطور من هناك.. إلا أن مصر وجدتها هنا بحضورها الطاغى.. وبكل عناصر ثقافتها.. ومكونات هويتها الفرعونية والقبطية والإسلامية.. مصر هنا تتألق فى سماء الصين.. مصر هنا ببضعة أفراد لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة من صندوق التنمية الثقافية.. أحد قطاعات وزارة الثقافة.. وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارة الصندوق الدكتورة نيفين الكيلانى.. مصر هنا بسفيرها د. مجدى عامر ومستشارها الثقافى د. حسين إبراهيم.. ففى إطار الاحتفال بالعام الثقافى المصرى الصينى الذى دشنه منذ يناير الماضى.. الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة.. بمناسبة مرور 60 عاماً على إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.. افتتح وزير الدعاية والاتصالات الصينى والدكتورة نيفين الكيلانى.. الجناح المصرى بمدينة «شينزن» عاصمة الكمبيوتر فى العالم.. ونيويورك الصين الحديثة.. حيث تشارك مصر بهذا الجناح كضيف شرف فى فعاليات «المعرض الدولى للصناعات الثقافية».. والذى يعد من أكبر المعارض المتخصصة فى الصناعات الثقافية والإبداعية فى العالم.. حيث شهد مشاركة دولية كبيرة.. بلغت 2300 جناح للدول التى تهتم بالصناعات الثقافية.
وجاءت المشاركة المصرية فى هذا المعرض هى الأكبر من نوعها.. خلال هذه الدورة.. حيث روعى فى تصميمه استلهام الموتيفات المصرية الشعبية.. ولوحات كبار المستشرقين الفريدة.. ونجحت مصر بجناحها البالغ مساحته تسعين مترا.. أن تجذب انتباه كل رواد المعرض.. حيث بدأ وزير الدعاية والاتصالات الصينى جولته بافتتاح الجناح المصرى.. وكانت فى استقباله د. نيفين الكيلانى.. والدكتور حسين إبراهيم.. وأعضاء الوفد المصرى.. انبهرت القيادات الصينية الثقافية المصاحبة للوزير بالجناح المصرى.. وتوافدت الجماهير الغفيرة من رواد المعرض لزيارة قطعة صغيرة من قلب مصر لا تتعدى مساحتها التسعين مترا.. ولكنها تحمل فى طياتها حضارة سبعة آلاف سنة من العطاء، فالصينيون يدركون جيدا قيمة مصر التى لا يدركها ــ للأسف ــ كثير من المصريين.. الذين لا يعلمون أهمية مصر.
لقد التقينا هنا بقيادات تسعى بل تتمنى أن تتسع مساحات التعاون الثقافى والتجارى والصناعى بينهم وبين مصر.. بلا سقف أو حدود.. ولكن للأسف هناك الكثير من المعوقات والمشكلات البسيطة التى قد لا يحتاج حلها إلا توقيع بسيط من موظف (بيروقراطى!) يعبد القوانين المعوقة للتقدم والانطلاق.. وهذا يعود بأثر سيئ للغاية على القيادات الصينية.. فينصرفون عنا ولسان حالهم يقول إن كان أصحاب الأمر لا يعنيهم أمرهم فهل سنكون نحن أكثر حرصا عليهم من أنفسهم(!!).
ولكن الصينيين رغم ذلك انبهروا هنا بالإنسان المصرى الذى كان يعمل أمامهم بيديه.. والذى جاء حاملا معه منتجات مختلفة من الحرف التراثية.. من إنتاج مركز الفسطاط للحرف التقليدية التابع لصندوق التنمية الثقافية.. تحت إشراف مدير المركز الدكتور فتحى عبد الوهاب.. وشاهدوا عم محمد وهو يطعّم الأطباق والحلى والمعادن وبالصدف والفضة.. وشاهدوا الزميل سامى طارق وهو يعمل ليل نهار.. ومعه د. نيفين تتفانى من أجل نجاح الجناح المصرى.. لم يكتف وزير الدعاية بالافتتاح.. فأرسل فى اليوم التالى حاكم المقاطعة.. ورئيس بلدية مدينة تشينزن.. ورئيس قطاع السياحة.. ورئيسة مديرية الثقافة وكل مسئول صينى يأتى ومعه كل محطات التليفزيون الفضائية والمحلية.. يأتى ومعه أطقم كاملة من كبار الموظفين المسئولين عن تذليل الصعاب وإزالة المعوقات.. ومد جسور التعاون بين مصر وبين الصين فى كل المجالات.. إنهم لديهم الرغبة والإرادة والصلاحيات الكاملة لتوقيع بروتوكولات التعاون وعقد الاتفاقيات.. إنهم يتصرفون مع دولة هم يدركون أنها أهم دولة فى منطقة الشرق الأوسط.. دولة هم يدركون أنها المدخل الذهبى لإحياء (طريق الحرير) ويرفعون شعار أطلقه رئيس وزرائهم: «طريق.. واحد مصير.. ويد واحدة.. معا لبناء المستقبل»
إنهم شعب جاد لا يعرف الكسل ولا التواكل ويعشق مصر.. ويعرف قدرها.. وللحديث عن الصين الحديثة بقية.
-