الأهرام
د. محمد رضا عوض
الإمــام الأشــعرى .. شخصيات إسلامية
هو على بن إسماعيل بن إسحاق، «إمام أهل السنة والجماعة» وكنيته أبو حسن ينحدر من أصل جده الأكبر أبى موسى الأشعري، ولد سنة مائتين وستين هجرية فى البصرة فى العراق، ودرس فيها، ثم تابع دراسته فى بغداد، واشتهر بقوة الجدال والمناظرة والعمق الفكرى بجانب محافظته على النقل، وبجانب براعة الأشعرى فى علم الكلام كان أيضا فقيها وعالما ومحدثا، يميل كثيرا إلى حياة الزهد والبساطة، بل كان متصوفا فى أغلب سلوكه.

تتلمذ على يد أستاذه أبى على الجبائى (ت 303هـ)، شيخ المعتزلة والتى كانت من الجماعات المبتدعة والتى تنادى بترك ظاهر الكتاب والسنة. وقد نبغ الأشعرى فى علوم المعتزلة، ولما تبحر فى كلام الاعتزال كان يورد الأسئلة على أستاذه ولا يجد فيها جوابًا شافيًا فتحير فى ذلك، وقد ظل على هذه الحال إلى أن وصل سن الأربعين حين ثار على عقيدة الاعتزال بعد أن اعتكف فى بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله حتى اطمأنت نفسه،ثم خرج الى الناس وأعلن البراءة من الاعتزال واعتناقه لمذهب أهل السنة والجماعة، ورمى بكل الكتب التى كان قد كتبها فى الفكر الاعتزالى بعد أن طعن فيها وتبرأ من جميع ما كان يعتقده من قبل.

قال الأشعرى عن نفسه:«وقع فى صدرى فى بعض الليالى شك مما كنت فيه، من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهدينى الطريق المستقيم، ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام فشكوت إليه بعض ما بى من الأمر .. فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليك بسنتى» فانتبهت، وعارضت مسائل الكلام بما وجدت فى القرآن والأخبار فأثبته، ونبذت ما سواه ورائى ظهريًا».

واستخدم أبو الحسن الأشعرى نفس وسائل المعتزلة المنطقية والعقلية لدعم عقيدة أهل السنة والحديث وهكذا استطاع أن يواجه المعتزلة بنفس أدواتهم وأساليبهم، وكانت هذه الفترة دقيقة وحرجة من تاريخ المجتمعات الإسلامية فى المشرق حيث كثرت المبتدعة فى هذه الأمة, وتركوا ظاهر الكتاب والسنة فكان تحول أبى الحسن الأشعرى إلى مذهب أهل السنة والجماعة هو تحقيق لوعد النبى صلى الله عليه وسلم لأمته كما جاء فى الحديث الشريف والذى رواه أبو هريرة:( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).

لقد أسس الأشعرى مذهبه: على منهج «الاستقراء»، و«التصنيف والاستنتاج»، و«الحكم» ثم على «الرد على الخصوم»، وأخيرا «تقرير مذهبه الذى يعتبره مبدأ أهل السنة والجماعة» والذى انتشر فى جزء كبير من العالم الإسلامي, فكان الأشعرى سببا فى جمع كلمة المسلمين بعد تفرق وصراع وحروب.

كما حظى الإمام الأشعرى بثناء جميع العلماء من مختلف المذاهب السنية، وأثنوا على مذهبه وطريقته، فلقبوه بـ «إمام أهل السنة والجماعة»، «الإمام الفاضل»، و«الرئيس الكامل»، «إمام المتكلمين»، و«زعيم المجددين»، «شيخ السنة»، و«ناصر السنة»، «إمام الأمة»، و«إمام أئمة الحق»، وغيرها من الألقاب.

وهكذا ظل أبو الحسن الأشعرى يدافع عن السنة ضد خصومه ومؤلفاته كثيرة قيل إنها بلغت ما يقارب الخمسين مصنفا فى الرد على الملاحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج، وسائر أصناف المبتدعة، إلى أن توفى فى بغداد ودفن فيها سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين هجرية ونودى على جنازته: «اليوم مات ناصر السنة».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف