أحمد فؤاد أنور
المؤسسة العسكرية والتوجهات السياسية فى إسرائيل
لا يعنى وصول إسرائيل إلى عامها الثامن والستين أنها تحولت إلى دولة طبيعية، فعلى الرغم من استفادتها الجمة من الانشقاق الفلسطينى -الفلسطينى ومن تفتيت قوى عربية لا يستهان بها، فإن إسرائيل لم تكتسب بعد القدرة على الحياة الطبيعية، وبالتالى لن تخرج من «الحضّانة الافتراضية» التى تعيش فيها إلا بتنازلات مؤلمة تعيد فيها الحقوق المغتصبة لأصحابها.
الخلافات الداخلية فى إسرائيل بين المهاجرين القدامى والمهاجرين الجدد على رأس العوامل التى قد تؤدى لانفجار هائل؛ فنحو مليون مهاجر من أصل روسى غير معترف بيهوديتهم ويقال عنهم صراحة إنهم هاجروا لأسباب اقتصادية وغير مسموح لهم بالزواج، أو حتى الدفن بمراسم يهودية. ويضاف إلى هذا مشاكل المهاجرين من أثيوبيا حيث يرى أكثر من نصف الإثيوبيين فى إسرائيل أن الشرطة تهاجمهم بلا سبب.
وإذا نظرنا إلى العلاقة مع أكبر دولة عربية، نجد أن تل أبيب أعاقت بوادر حسن النية المتبادلة بتصريح نتنياهو – الذى اضطر للتراجع عنه بعد ساعات ببيان مكتوب - عن دراسته إمكانية إرسال الجيش الإسرائيلى للقاهرة لتحرير العالقين داخل مبنى السفارة الإسرائيلية بعد محاصرتها عام 2011، كما أن سعى نتنياهو لضم افيجدور ليبرمان لحكومته بعد إصرار حزب العمل على مقاطعة الائتلاف الحكومى الهش سيكون له مردود سلبى على العلاقات المستقرة فى الآونة الأخيرة، نظرا لتاريخ ليبرمان مع مصر وتهديده بضرب السد العالي. مواقف مشاهير المشعوذين فى إسرائيل من مصر أيضا تدفع بالمجتمع الإسرائيلى والرأى العام إلى الاتجاه الخاطئ، حيث تكرر حديث الحاخام نير بن ارتسى - فى نبوءات سياسية يتابعها مريدوه بشغف - عن داعش التى «توجد بين غزة ومصر»، وكأن سيناء كيان منفصل! فضلاً عن توجيهه اتهامات غير مقبولة للمسئولين عن ضبط الحدود على الجانب المصري، تتناقض مع إقراره بنجاح مصر فى اكتشاف أنفاق التهريب وهو ما يعزيه إلى مشيئة الرب، حيث يرى أن الكوارث التى تحدث وستحدث للعالم هى دعم من الرب لإسرائيل، بينما الكوارث التى حدثت وستحدث فى إسرائيل هى ناجمة عن إهمال وأخطاء بشرية! من الملاحظ أن حالة الاحتقان بين المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل 2016 وصلت إلى حد غير مسبوق ولم تتوقف عند النظرة العنصرية للعرب بشكل خاص أو للأغيار بشكل عام، حيث تفاقم مؤخراً الصراع على إرادة المجند الإسرائيلى المتدين لحسم الإجابة عن السؤال: لمن ينصاع المجند الإسرائيلى إذا ما تعارضت تعاليم الجيش مع تعاليم الدين؟ حيث وجد الرأى العام الإسرائيلى نفسه يتابع مؤخراً اختباراً للقوة بين وزير الدفاع ومدير مدارس تابعة للصهيونية الدينية الحاخام اليعازر ملاميد، الذى أفتى بأن على المجند أن ينفذ تعاليم الدين أولا، وهذا يعنى أن فتوى الحاخام أصبحت أقوى من أمر القائد العسكرى وزير الدفاع بمقاطعة التعامل مع الحاخام خاصة وأنه طالب أتباعه بعصيان الأوامر حينما تقرر إجراء انسحاب أحادى الجانب من قطاع غزة.. مؤكدا أن السجن أفضل من الانصياع للقادة العلمانيين. ورغم أنه خفف مؤخرا من حدة فتواه مطالبا تلاميذه بالانصياع للأوامر وقت القتال، إلا أن وزير الدفاع أمر فى مارس الماضى بمقاطعة الجيش الإسرائيلى الكاملة للحاخام الذى استعان فى المقابل بحاخامات من نفس الاتجاه المتطرف، خاصة بعد أن قلص وزير الدفاع «موشيه يعلون» ورئيس الأركان «جادى ايزنكوت» صلاحيات الحاخامية العسكرية التابعة للجيش، وأصدر أوامر بالتشدد فى منع إطلاق اللحى بين الجنود المتدينين وتواكب ذلك مع إقرار نائب رئيس الأركان يائير جولان بارتكاب جرائم أخلاقية يمكن مقارنتها بفترة الأحداث النازية. أما أقصى ما قد يفسد الاحتفالات الإسرائيلية على أشلاء نكبة فلسطين فهو مطالبة عدد من المحللين بانقلاب الجيش على السياسات الحالية التى تكرس العنصرية والعنف وإنكار الحقائق. وأخيراً يطل برأسه القبيح احتمال آخر متمثلا فى تمكن المتدينين من انتخاب أول رئيس وزراء متدين منصاع بالكامل لفتاوى الحاخامات مما قد يحول سريعا الحضّانة التى تعيش فيها إسرائيل إلى قبر كبير. كل ما سبق يجعلنا نتشبث بدعم جبهات التنمية فى مصر خاصة تلك التى تربط الوادى بسيناء، ويدفعنا دفعاً لدراسة واقع المتغيرات على المشهد الإسرائيلى بشكل دقيق مع افتراض سيناريوهات مستقبلية وسبل التعامل معها حتى لا تداهمنا الأحداث ويقتصر دورنا آنذاك على سياسة رد الفعل.