الأهرام
حسن ابو طالب
وما زالت الضغوط تتوالى
فى كثير من الأوقات تأتى الأحداث متتابعة وكأن كل منها لا علاقة له بالآخر، ومع قدر من التركيز يتضح أن هناك خيطا ناظما يفسر العلاقة بين هذه الأحداث. وهنا أنا لا أتحدث عن نظرية مؤامرة أو تخطيط جهنمى تقوم به جماعة غير منظورة، ولكن عن شئ محدد تفصح عنه هذه الأحداث، والتى تتلخص فى أربعة مواقف؛ أولها تعليق مندوبة الولايات المتحدة فى مجلس الأمن، ومفاده رفضها لما أسمته اعتقال الصحفيين واستهداف وسائل الإعلام، وهو تعليق لم يكن له صلة بالموضوع الرئيسى للجلسة التى رأسها وزير الخارجية سامح شكرى وهو المواجهة الدولية الجماعية للإرهاب العابر للحدود. وبالتالى كان رد سامح شكرى متضمنا اشارة إلى ان مثل هذه التعليقات العامةلا تعنى مصر مباشرة وبعيدة الصلة بموضوع الجلسة،ومن ثم أدت إلى تشتت التركيز بشأن محاربة الإرهاب. أما الموضوع الثانى فهو ذلك التقرير الصادر عن محاسبة الحكومة الامريكية فى الكونجرس والذى تضمن ما وصُف بأن الحكومة المصرية أعاقت قدرة واشنطن على تخصيص مليارات الدولارات من المساعدات السنوية المقدمة لمصر التى قاومت عددا من مبادرات إدارة أوباما لرصد تلك الأموال، والتى يفترض أنها تخصص لتحقيق المصالح الامريكية. وهو التقرير الذى اثار انتقادات بعض نواب الكونجرس لما يرونه فشل برامج حقوق الانسان فى مصر وفقا لمصالحهم، فى وقت تقدم فيه واشنطن أسلحة لمصر. والمفارقة هنا أن توقيت نشر التقرير ومطالبة بعض نواب الكونجرس بوقف المساعدات الأمريكية لمصر صاحبه حديث عن توسع غير مسبوق لبرامج المساعدات المقترحة لإسرائيل مع تجاهل تام لما تقوم به إسرائيل من الإجهاز التام على حريات وحقوق ملايين الفلسطينيين لعقود طويلة بدعم من المساعدات الأمريكية السخية. والمهم ملاحظة أن أمريكا كانت بصدد تخصيص مليارات الدولارات لمصالحها الخاصة بعيدا عن الحكومة المصرية.

الحدث الثالث يتمثل فى موقف الحكومة الألمانية غير المتفهم لموقف مصر، وفقا لما أعلن رسميا، بشأن عودة مكتب مؤسسة فريدرش ناومان الألمانية وثيقة الصلة بالحزب الديمقراطى الحر، وحين تم استدعاء السفير المصرى فى برلين د. بدر عبد العاطى أوضح أمرين فى منتهى العقلانية، الأول أن خروج المؤسسة جاء بقرار منها وليس بطلب من الحكومة المصرية، وأن أمامها للعودة إلى مصر أحد طريقين، إما أن تعمل وفقا لقانون الجمعيات الأهلية، أو توقع اتفاقية خاصة تعمل بموجبها على الاراضى المصرية. وكلا الأمرين ترفضهما المؤسسة الألمانية. والغريب فى الأمر هو ما قيل حول عدم تفهم الحكومة الألمانية موقف الحكومة المصرية، وهنا تثور عدة أسئلة ومفارقات فى الآن نفسه؛ أولها لماذا ترفض مؤسسة فريدرش ناومان العمل داخل مصر دون الالتزام بالقوانين المصرية، فى الوقت الذى تقول فيه وثيقة تأسيسها أنها مؤسسة ليبرالية تنشط فى نشر التعليم المدنى وإقامة دولة القانون والحريات. وببساطة كيف لمؤسسة تدعو لإقامة دولة القانون فى دول ومجتمعات الغير وفى الآن نفسه تريد أن تتحرك وتعمل بعيدا عن أى ضوابط قانونية سائدة فى هذا البلد، فى حين هناك مؤسسات تقوم بأعمال مشابهة ولكنها نظمت الأمر باتفاقيات خاصة مع الحكومة المصرية. ولا اعتقد أن مصر فى مواجهة الآن مع الفكر الليبرالى أو التعليم المدنى القائم على أفكار المواطنة وحقوق الإنسان بمعناها الشامل الوارد فى المعاهدات والمواثيق الدولية، وبالتالى فالمشكلة ليست فى مصر بقدر ما هى فى موقف مؤسسة فريدريش ناومان نفسها. أما الحدث الرابع فهو دعوة منظمة العفو الدولية الإيطاليين فى مدينة نابولى لمظاهرات صاخبة الأحد 15 مايو،تحت شعار الحقيقة من أجل ريجيني، وبهدف الضغط على الحكومة الإيطالية لكى لا تقبل بنتائج التعاون مع جهات التحقيق المصرية.

مثل هذه الدعوة لم تفعل مثلها هذه المنظمة المُسماة بالعفو الدولية حين سقط آلاف البشر من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين بفعل العدوان الإسرائيلى الذى تكرر فى مناسبات مختلفة، ولم تفعل ذلك من أجل مسلمى بورما الذين سيق منهم الآلاف إلى ساحات الإعدام والعالم كله كان صامتا كالموتي. دعوة المنظمة الإيطاليين بالتظاهر جاءت فى أعقاب تفهم الحكومة الإيطالية وجهات التحقيق هناك أن هناك تعاونا حقيقيا وجهدا جبارا تقوم به الجهات المصرية التى هدفها الوصول الى الحقيقة مهما طال الزمن. وهو ما تبلور مؤخرا فى تعيين سفير إيطالى جديد بدلا من السفير الذى تم استدعاؤه فى بداية الازمة قبل شهرين، وقيل فى ذلك إن السفير السابق يتحمل جزءا من المسئولية فى تصعيد الموقف الايطالى على النحو الذى كان ولم يكن يتناسب تماما مع العلاقات القوية والمصالح الواسعة التى تجمع بين القاهرة وروما، ولا مع طبيعة الجريمة وما يحيط بها من غموض. كما تبلور أيضا فى عودة تعاون جهات التحقيق فى البلدين وتبادلهما لأخر المعلومات التى توصل إليها كل طرف على حدة.

ولا يمكن تفسير الموقف الذى تتبناه منظمة العفو الدولية تجاه مصر فى هذه الواقعة وفى غيرها من وقائع اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب الصارخة وسوء النوايا من قبل العاملين فى هذه المنظمة، إلا أنه موقف عدوانى لا يخدم لا حقوق الإنسان ولا التوصل إلى الحقيقة مجردة باعتبارها هدفا ساميا يسهم فى تعميق حقوق الانسان ومحاسبة الذين يتجرأون عليها، وهو موقف غير عقلانى وهدفه ببساطة التشويه والتجريح فى حده الأدني، وتعبئة دول وحكومات لممارسة ضغوط على مصر بحجج واهية من أجل إثارة الفوضى وكسر تماسك المجتمع، وهو ما يصب لصالح جهات بلا ضمير إنسانى تدعم هذه المؤسسة وكل من على شاكلتها.

وعودة إلى الخيط الناظم الذى يجمع بين هذه المواقف رغم تفرقها من حيث مكان الحدوث، فجميعها يصب فى خانة واحدة، أقلها الضغط المعنوي، ونهاية بمحاولة جر مصر لكى تكون ساحة مفتوحة يمرح فيها الآخرون بلا ضوابط من أجل مصالحهم الخاصة التى ليست بالضرورة مفيدة لمصالح مصر والمصريين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف