مؤمن الهباء
شهادة -نكبة الماضي والحاضر
كانت نكبة فلسطين وحدها.. ثم صارت نكبة العرب جميعاً.. وما بين إعلان دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 و14 مايو 2016 تاريخ طويل من النضال والتضحيات.. من الفشل والتآمر والخيانة.. من البؤس والأسي والدموع.. من اليأس والانكسار والتراجع.. في 14 مايو 1948 كانت هناك أمة ضعيفة مشتتة لكن لديها عزيمة المواجهة والقدرة علي التضحية والشهادة وامتلاك الإرادة رغم أنها كانت تحت الاحتلال.. وفي 14 مايو 2016 ضاعت العزيمة والقدرة.. وصارت الأمة ممزقة.. بل مهددة في وجودها.
خرج العرب من حرب فلسطين مهزومين.. وكان من نتيجة ذلك أن تمددت العصابات الصهيونية التي أعلنت قيام دولة إسرائيل في كثير من القري والمدن.. وارتكبت مجازر لن ينساها التاريخ.. وطردت السكان العرب من منازلهم فخرجوا إلي الشتات.. ومع كل ذلك كانت هناك عزيمة لدي هؤلاء الضعفاء المطرودين ولدي الأمة جمعاء أنها ستلملم شتاتها وتعيد ترتيب صفوفها لتحارب وتنتصر وتطهر الأرض من رجس الصهاينة.. كي يعود الحق لأهله وتعود الأرض إلي أصحابها.. ويعود الوطن إلي أبنائه الذين يستحقونه.
لكن بعد مرور كل هذه السنوات لم يفلح العرب في إنجاز هدفهم.. تناحروا وتآمروا وخانوا.. حتي وصلوا إلي ما هم عليه الآن.. بعد نكبة فلسطين صارت عندنا نكبة العراق ونكبة سوريا ونكبة اليمن ونكبة ليبيا.. ولم تعد هناك دولة عربية بعيدة عن مرمي النيران.. وبعد أن كان المهاجرون المشردون من فلسطين وحدها صار لدينا مهاجرون مشردون من أكثر من دولة عربية.. بعضهم تحول إلي وليمة ثابتة لأسماك البحار والمحيطات.
يالهول ما كانت عليه نكبة فلسطين الجريحة.. منذ أن صدر وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا المشئوم في 2 نوفمبر 1917 بالعمل علي إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.. ومنذ أن أعلن بن جوريون إقامة دولة إسررائيل في 14 مايو ..1948 ويالهول ما عليه نكبتنا اليوم.. نكبة العرب جميعاً.. الذين تتلاعب بهم الأم.. ولم يعد مصيرهم بأيديهم.. مخازنهم مكدسة بأحدث الأسلحة.. وأموالهم مكدسة في البنوك.. لكن من غير المسموح لهم أن يستخدموا هذه أو تلك ضد العدو الحقيقي الذي يهدد وجودهم.. لذلك يتم تخليق عدو بديل يفرغون فيه شحنات غضبهم وفائض قوتهم.. وتستنزف في الحرب معه مقدراتهم.. ومن هنا كثرت المؤامرات والخيانات.. وظهرت عصابات الإرهاب لتكون هدفاً جاهزاً تحاربه الدول العربية وتنتصر عليه بالسلاح الغربي.. ولا مانع أن يتحالف العرب في ذلك مع عدوهم الحقيقي الذي يشعر بالامتنان وينعم بالأمان.
نكبتنا اليوم أن عدونا لم يعد عدواً.. العدو صار حليفاً وصار منا.. تحول من نكد الدنيا علينا إلي صديق.. وصارت خطوطه مفتوحة مع كثير من العواصم العربية تحت لافتة التعاون الإقليمي والتنسيق في مواجهة الإرهاب.
نحن في مرحلة تاريخية أكثر تعقيداً من كل المراحل التي مرت بنا من قبل.. وكنا فيها نمتلك بوصلة صحيحة.. نعرف بها وجهة العدو الحقيقي ونجتمع عليه.. أما اليوم.. فقد تفرقت بنا السبل.. وصار بأسناً بيننا شديداً.. ولم يعدد العدو موضع إجماع.. هناك من يقول الآن ليس لي معركة مع إسرائيل.. وهناك من أدرك أن الوصول إلي واشنطن لابد أن يمر عبر المبيت في فراش تل أبيب.. وواشنطن هي بيتهم الحرام الذي يعتبرونه مثابة وأمناً.
إن نكبة الماضي في 1948 علي ما فيها من ظلم وهزيمة وانكسار تهون أمام نكبة الحاضر التي جاءت بعد تحولات خطيرة ما كان يمكن أن ترد علي قلب بشر.. ولو في أحلك الليالي وأسوأ الكوابيس.. والمصير مازال غامضاً.. وإذا سألتني عن كيفية الخروج من هذا المأزق التاريخي فسأقول علي الفور: الله وحده أعلم.. فقد اختلطت الأوراق وتاهت الحقيقة.