عباس الطرابيلى
هموم مصرية- الشعرية البلدى.. تحل أزمة الأرز
الشعب المصري، شعب مخترع.. ينجح دائماً في حل المشاكل، حتي التي لا تستطيع الحكومات حلها.
خلال العدوان الثلاثي: الإنجليزي- الفرنسي- الإسرائيلي علي مصر عام 1956 ونقص المواد الأساسية اللازمة.. نجح المصري، في تخطي الأزمة.. وفي المقدمة كانت أزمة الأرز.. ورغم قيام وزارة التموين أيامها بتوفير حصص معقولة من الأرز علي بطاقة التموين، إلا أن الكميات لم تكن كافية.. هنا لجأت الست المصرية إلي دقيق القمح ودقيق الذرة.. وكانت الأسر تتجمع لتصنع من هذا وذاك «الشعرية البلدي» باستخدام الغربال والمنخل.. وحرارة الشمس، فوق أسطح البيوت.. ثم توضع في أكياس من القماش لحمايتها وعند إعداد طعام الأسرة كانت الست المصرية تضع نصف الحلة بالأرز حتي ولو كان من كسر الأرز.. والنصف الثاني- في نفس الحلة من هذه الشعرية.. ليأكل العيال ويشبعوا. فالمهم هنا هو إسكات البطون الجائعة.. وكان تصرفاً ذكياً.. وبالذات في المدن الساحلية شمال مصر حيث حلة الأرز هي ما يشبع العيال.. مع شوية سمك مشوي..
<< تمامًا كما فعلت الست المصرية لتواجه مشكلة نقص الجاز، أي الكيروسين. وكانت وزارة التموين تصرف لكل أسرة عدداً من كوبونات الجاز، علي كل بطاقة.. ولأن الجاز كان ضرورياً لاستخدامه في الإنارة من خلال لمبات الجاز، إذ لم تكن الكهرباء قد توفرت في كل البيوت.. فإن الأسر كانت توفر هذه الكوبونات.. لاستخدامها في الإنارة.. وكان الباعة يتجولون- في الحواري- في مواعيد معينة يهتفون: أمريكاني.. يا جاز..
<< وحلاً لمشكلة نقص الجاز اللازم لإعداد طعام الأسرة علي بوابير الجاز الشهيرة باسم بريموس.. عادت الأسر إلي استخدام «الكانون» وهو نظام الطبخ البلدي باستخدام 4 قوالب من الطوب الأحمر للجوانب، ثم يشعل وسطها بما هو متاح «من أغصان وأخشاب ونشارة خشب وجريد وغيرها.. ولم يكن يخلو أي بيت من كانون في الصالة أو فوق السطح.. تطبخ الأسر عليه طعامها.. ولا ننسي لذة وطعم طبيخ الكانون.. وبالذات محشي الكرنب.. أو برام الأرز باللبن مع الزغاليل..
وهكذا نجحت الأسر المصرية في التغلب علي أزمة نقص الأرز.. وأزمة الجاز.. وتحمل الشعب ذلك لأن مصر كانت في حرب حقيقية هدفها كسر الإرادة المصرية، وتحطيم الإدارة الوطنية.
<< طيب.. ومصر الآن في حرب حقيقية تستهدف تدمير الأمة المصرية.. ومع نقص كثير من المواد الغذائية.. لماذا لا يشترك الشعب مع الدولة في مقاومة مخطط تدمير الأمة المصرية وتحطيم الوطن؟.
لماذا لا نعود إلي الكانون- ولو مؤقتاً- لنوفر ما نحتاجه من طاقة بترولية.. ولماذا لا تعود الأسرة المصرية إلي صنع الشعرية البلدي داخل البيوت.. لنواجه أزمة نقص الأرز الذي قررنا استيراد 80 ألف طن منه، من الهند؟.
<< قد يقول البعض إننا هنا نزيد من الطلب علي القمح.. ولكن القمح أرخص من الأرز الآن.. ولماذا لا نلجأ- عصرياً- إلي المكرونة البلدي وليس المكرونة المستوردة الفاخرة.. حتي نعبر عنق الزجاجة فيما يعيشه الناس من نقص في الأرز.. وفي الطاقة.. وفي الزيوت..
مصر الآن في حرب حقيقية.. وظروف الحرب تسمح بأي تدخل للدولة.. ولا ننسي أنهم في بريطانيا- خلال الحرب العالمية- كانوا يصرفون للفرد.. بيضة واحدة أسبوعياً.