تعلمت فى حياتى ومن أساتذتى الكبار أن أنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب, فكل إناء بما فيه ينضح , وكل نفس بما فى داخلها تفيض,
والنفوس الكبار لا تهفو أبدًا إلى الصغائر, وقد قالوا: ولا يقذف بالأحجار إلا الشجرة المثمرة، ولا يقذفها إلا الصبية، أما الرجال فيستحون, ولا يحوم اللص إلا حول البيوت العامرة فإن حام حول البيت الخرب كان سيد البلهاء. وأذكر من واقع تجربتى الحياتية أنموذجين:الأول: مع أستاذى المرحوم أ.د. محمد السعدى فرهود رئيس جامعة الأزهر الأسبق, حيث كنت أعد بعض الموضوعات حول خطورة الظلم والكذب والخيانة والغدر ونحو ذلك على الفرد والمجتمع, فقال لى : هلا تحدثت عن أهمية العدل والصدق والأمانة والوفاء, وجعلت التحذير من السلبيات ضمنيًا فى هذا الإطار, لتحبب الناس فى القيم الإسلامية بدلاً من التركيز على الوعيد والترهيب, وكان درسًا دعويًا إيجابيًا أفدت منه فى كثير من مراحل حياتى .
والموقف الثاني: حين طلب منى أحد السادة الإعلاميين أن يأخذ رأيى فى إطار تحقيق حول بعض سلبيات إحدى المهن المحترمة, فأجبته بعدم إمكانية مشاركتى فى ذلك إلا إذا تناول الإيجابيات أولاً أو مع السلبيات على أقل تقدير؛ لأن قدرى فيمن تعاملت معهم من أبناء هذه المهنة أوقعنى فى المخلصين الوطنيين منهم, وكان الرأى فيهم يميل وبشدة إلى الجانب الإيجابي, فقلت له: كيف أضع وجهى فى وجه هؤلاء إن لم أنصفهم فيما يبذلون من جهد فى خدمة وطنهم ومهنتهم وأنا أعلم عن بعضهم الخير الكثير؟
ومن هنا كان لزامًا ألا ننظر إلى الجانب الأسود فقط شأن أصحاب القلوب السوداء والنفوس المريضة الذين لا يرون غير السواد, وكما قال إيليا أبو ماضى فى قصيدة ( فلسفة الحياة):
والــــذى نفســـــه بغـــير جمــــــــــال
لا يــرى فى الوجــــــود شــــيئًا جمـيــــــلاً
فكما أن هناك أعداء للنجاح, فهناك أصدقاء كثر, هم كل هؤلاء الوطنيين المخلصين الذين يؤثرون المصلحة العليا للوطن على أى مصلحة أخرى, هؤلاء هم من نسعد بهم, وهم من نستمد منهم بعد الله ( عز وجل ) العون والمساندة والنفس الطويل, ونتقوى بدعمهم ومساندتهم على مواجهة الشدائد والصعاب والتحديات, وفى مقدمتها مواجهة الإرهاب والإهمال والإفساد.
وقد قال الرافعى فى مقال رائع له عن الصداقة: إن الصديق الحق هو من إذا غاب لم تشعر أن أحدًا غاب عنك , وإنما تشعر أن جزءًا منك ليس فيك, فهو قطعة منك، وهو كما قال الإمام الشافعى رحمه الله:
إن الصديق الحق من كان معك .. ومــــن يضـــر نفســه لينفعــك
ومـن إذا ريب الزمــان صدعـــك .. شتــت نفســه فيـك ليجمعك
لا هؤلاء الذين يماسحك أحدهم كما يماسحك الثعبان، ويراوغك كما يراوغك الثعلب، ويقفز منك كما يقفز القنفذ، فهم أشبه ما يكون بالذباب لا يقع إلا حيث يكون العسل، ولا تجدهم إلا على أطراف مصائبك, أبواق كلام معسول لا غير، تسمع جعجعة ولا ترى منهم طحنًا .
أصدقاء النجاح هم من تجمعهم أهداف عليا تسمو فوق المنافع العاجلة والآجلة إلى إيثار مصلحة الأديان والأوطان، والعمل معًا للوصول إلى الغايات النبيلة التى تخدم الإنسانية بعيدًا عن كل ألوان الغش والخداع والحقد والنفاق والأنانية المقيتة والتربص بالآخرين أو الكيد لهم أو العمل على إقصائهم.
ولا شك أن مصر بمعادنها النفيسة تفرز الكثير من الوطنيين المخلصين, وإلا لما استطعنا أن نتخلص من كوابيس الإرهاب والإرهابيين التى جثمت على صدورنا فى مرحلة حكم الجماعة الإرهابية التى كان بعض عناصرها يرددون أنهم وصلوا إلى الحكم بعد ثمانين عامًا, ولن يتركوه قبل مائة عام على أقل تقدير إن فكّروا فى تداول السلطة، ولكن الله عز وجل أراد بمصر وبالأمة العربية وبالإسلام والمسلمين خيرًا, فهيأ لمصر رجالا حكماء وقائدًا حكيما وجيشًا باسلاً, وهو ما نؤمل فيه وبه الخير الكثير فى دحر ما بقى من جماعات إرهابية ليس فى مصر فحسب وإنما فى أمتنا العربية ومحيطنا الإقليمي, فمصر كما أكد السيد الرئيس فى أكثر من مناسبة إنما تدفع ثمن مواجهة الإرهاب والإسهام الجاد فى تحقيق الأمن والسلام العالمي.
وبمناسبة انعقاد القمة العربية, وبما لمسنا فى مؤتمر شرم الشيخ من روح عربية جديدة وثَّابة واعية مخلصة تدرك المخاطر التى تهددنا جميعًا, وتعى معنى المصير المشترك، فإننا نقول: إن هؤلاء القادة الحكماء ليسوا أصدقاء النجاح فحسب، إنما هم شركاء النجاح وصناعه معًا, كما نؤمل أن تنطلق هذه القمة العربية الاستثنائية بأرض السلام والتنمية بسيناء بنا جميعًا نحو آفاق واسعة فى المجالات كلها بما يحقق الرخاء والتنمية لشعوبنا والأمن والأمان والسلام والخير الذى نحمله للعالم أجمع.