عباس الطرابيلى
هموم مصرية -الفاتحة.. علي عصر الراديو!
هل انتهي عصر الراديو؟! وهل انتهي عصر الاستماع إلي هذا الجهاز السحري، الذي كان زينة بيوت الأثرياء.. عندما كان يقال إن البيت فيه كهرباء.. وأيضا فيه: راديو!! تماما كانت الأسر تفخر في أوائل الستينيات بأنها تمتلك تليفزيوناً، ولو بالقسط.، أو تفخر- في السبعينيات- بأنها تمتلك هذا الجهاز الرهيب: الفيديو. بل كما كان التليفزيون الملون من أهم مصادر الجمارك، ثم تبعه الفيديو، وكان السؤال الأول الذي يسأله موظف الجمارك: معاك تليفزيون.. فيديو.. وبعدهما: كاميرا فيديو!
** والراديو كان- في مجده- عندما حل محل «الراوي» أو الشاعر أبوربابة في المقاهي، والدواوير في الريف. بالذات عندما أخذ يقدم كبار مقرئي القرآن الكريم.. وكبار المطربين والمطربات.. ولكن مجده الحقيقي بدأ عندما دخل عالم المسلسلات، التي كانت تشد الكبار قبل الصغار. خصوصاً تلك الملاحم الإذاعية الشهيرة من بائع الدندرمة إلي عواد باع أرضه..
ولكن أهم المحطات- في تاريخ الراديو- هي تقديمه أحاديث كبار المثقفين. وهل ينسي جيلي «حديث الأربعاء» للعميد طه حسين، أو الضاحك الباكي لأشهر باشوات الصحافة المصرية فكري- باشا- أباظة الذي ظل رئيساً لتحرير مجلة المصور من عام 1926، إلي عام 1960 عندما أمم عبدالناصر الصحافة المصرية.. وهل ينسي جيلي أحاديث الشيخ محمود شلتوت رائد محاولات التقريب بين الشيعة والسنة.. وأحاديث الشيخ محمد أبوزهرة أستاذ أساتذة الشريعة الإسلامية.. وأيضا منصور فهمي وأحمد أمين وعباس العقاد وحسين فوزي..
** المحطة الثانية هي أننا حفظنا أسماء كبار مقرئي القرآن وكان أولهم الشيخ محمد رفعت.. والشعشاعي ومصطفي إسماعيل والبنا وعبدالباسط وعبدالعظيم زاهر وشعيشع. فضلاً عن شيوخ المنشدين الكبار. وكانت والدتي تحفظ أسماءهم جميعاً، وتنتظر كل واحد منهم، في يوم إذاعته..
ثم المحطة الثالثة وكانت مع عالم الحكايات والمسلسلات التي شدت آذان المستمعين، وكانوا ينتظرونها بالدقيقة والثانية وأشهرها: سمارة وعودة سمارة.. ثم الأشهر وكانت إبداعات المؤلف طاهر أبوفاشا والمخرج محمد محمود شعبان، وأقصد بها مسلسلات: ألف ليلة وليلة التي كانت هي «نوارة» ليالي وسهرات شهر رمضان.
** والمحطة الرابعة: سياسية.. وكيف استغلها جمال عبدالناصر.. حتي أنه أقام محطة إرسال خاصة داخل مقر إقامته- تحسباً لأي طارئ.. فقد كان يعلم تماماً قدرة الإذاعة علي توجيه وإدارة الجماهير.. وكان العصر الناصري هو العصر الذهبي للراديو- وفيه نشأت إذاعات أبرزها صوت العرب والبرامج الموجهة إلي الدول الخاضعة للاستعمار..
ولكن المحطة الأخطر كانت هي حفلات أم كلثوم.. ولذلك صنع لها إعلام عبدالناصر محطة خاصة ليقود الجماهير من خلالها..
** الآن لم يعد للراديو تلك السطوة.. ونسأل: كم من المصريين يستمعون الآن إلي الراديو، إن كان عندهم الآن في الأساس جهاز راديو.. والآن لم يعد للراديو سحر زمان.. فقط ربما المستمعون الأكثر الآن هم سائقو السيارات وركابها، وبالذات في المسافات الطويلة. ولذلك- في أمريكا- يستخدمون موجات الراديو لتوجيه السائقين، عند أي مشاكل علي الطرق.. وهل ننسي استخدام حكمدار القاهرة- في الفيلم الشهير- يوسف وهبي عندما أخذ يذيع.. لا تشرب الدواء.. الدواء.. فيه سم قاتل..
** واقرأوا الفاتحة علي الراديو وعصر الراديو.. كما قرأناها علي الفيديو وعالم الفيديو..