ناجح ابراهيم
صادق خان .. والخالة تاتشر
بقلم فى أول يوم عمل لعمدة لندن الجديد وقف وحيدًا على محطة الباص دون حراسة أو سيارة خاصة مصفحة، ودون ضجيج أو التفاف من العوام حوله، أو سيدات فقيرات يتوسلن إليه قضاء مصالحهن أو التوقيع على طلباتهن. ذكرنى ذلك بقصة الصحفى الصعيدى الذى كان يكتب فى إحدى الصحف اللندنية، حينما وجد أمامه تاتشر تشترى الخضار والفاكهة ومستلزمات البيت من المول وتسير وحدها دون حراسة. فقال لصديقه الصحفى الآخر : هذه خالتك تاتشر تسير هكذا وحدها فى الشارع دون حراسة ولا ازدحام أحد عليها، ودون أن يتكالب عليها الناس لتقديم طلباتهم وحاجاتهم، إنها مثل أى مواطن عادى فى بريطانيا، فهل يمكن أن يحدث هذا فى بلاد العرب؟ فاز صادق خان الهندى الباكستانى الأصل على جولد شميث الملياردير البريطانى الأصل، والذى ينتمى للحزب الحاكم، لأن الحزب الحاكم هناك لا يستطيع تزوير ورقة واحدة فضلًا عن أن يسود الملايين من بطاقات الانتخابات. فاز صادق خان الفقير الأسمر الذى كان أبوه يعمل سائقًا للنقل العام وأمه خياطة والذى عمل صغيرًا بائعًا للصحف ليسجل نصرًا غاليًا ومستحقًا على الأبيض الغنى الذى ينحدر أبًا عن جد من أصول بريطانية ثرية لأنه أكفأ منه، فهناك معيار الكفاءة لا الولاء ولا النفاق ولا الرشوة ولا غيرها من المعايير الفاسدة. فاز صادق المسلم الذى يفخر بإسلامه وبأصوله الاجتماعية الفقيرة والذى بدأ أول خطبة له بعد فوزه «بالبسملة والصلاة على رسول الله» لأنه قدم نموذجًا للإسلام الصحيح المحب لكل الناس والذى يخدم كل الناس ويسوى بينهم جميعًا، ولأنه يعيش فى مجتمع يؤمن حقًا بالديمقراطية والتعددية وقبول الآخر. فاز لأنه قدم نموذجًا مغايرًا لنموذج داعش التى جعلت الغرب والشرق يكرهون الإسلام ويعرضون عنه. إنه يشبه محمد رشوان بطل الجودو المصرى الذى قدم نموذجًا رائعًا للإسلام لدى اليابانيين جعلهم يحملونه على الأعناق ويتوجونه ملكًا أخلاقيًا عليهم رغم خسارته للمباراة النهائية. ويشبه د.أحمد الطيب «شيخ الأزهر» الذى قدم نموذجًا راقيًا للأسرة الفرنسية التى عاش بينها فى فترة دراسته للدكتوراه. كما يشبه د.عبد الحليم محمود «شيخ الأزهر الأسبق» الذى جعل بأدبه وخلقه وعلمه أستاذه المستشرق الفرنسى يسلم عن قناعة ورضا. هذا المجتمع اللندنى الذى اختار عمدة على غير دينه ولونه وجنسه رغبة فى كفاءته وأمانته يستحق التحية والتقدير. إنه مجتمع حى، نابض، فتى، قادر على تجديد نخبته باستمرار، واختيار الأصلح، ونبذ الأضعف، إنه الناخب اللندنى الذى لم يتأثر بالدعايات السوداء التى ربطت بين الإسلام والإرهاب، والمسلم والإرهابى ظلمًا وزورًا. لقد رفض هذا الناخب دعوات العنصرية ورفض الآخر، واختار التسامح وقبول الآخر، فالناخب اللندنى ليس عقله فى أذنه، ولا يكون الإعلام عقله ولا رأيه. فتحية لصادق خان، وتحية للناخب اللندنى. -