الأهرام
جمال عبد الناصر
الإسراء والمعراج والصراع الحضاري
في عام الحزن الذي فقد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمه أبا طالب وزوجه أمَّنا خديجةَ رضي الله عنها، سرَّى الله تعالى عنه بتشريفه بأن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، مصداقا لقوله سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]؛ فصلى هناك بالأنبياء ثم عرج به إلى السماوات العلا.
وهذا إيذانًا بانتقال قيادة العالم إلى الأمة الوسط أمةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاته بالأنبياء تعني أن كتابه الذي أرسل به مهيمنٌ على الكتب السماوية المنزلة قبله، وأن القدس مهبط الأنبياء صارت قيادته للنبي الخاتم؛ وقد كان حيث فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحررها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، وكان فتحها وتحريرها شاهديْنِ على حضارة المسلمين التي تحترم الإنسان، ولا تقبل بإهانته أو التمثيل به.

فالحرب التي تهدأ ثم تقوم في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين، أرضِ فلسطين، مسرى رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم، حربٌ لها جذورٌ تاريخية، يحاول أذنابُ الاستعمار وعملاءُ الصهاينة المرتزقون أن يغيروا معالمها، ويجعلوا رجال المقاومة من أهل فلسطين هم المخطئين، فلا جدال في أن هؤلاء المقاتلين البواسل يجاهدون جهادًا شرعيًّا دفاعًا عن أرضهم وعرضهم ودينهم، فالقدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم بل قضية المسلمين جميعًا في شتى بقاع العالم.

إن ما تقوم به قطعان المستوطنين من الصهاينة من خراف إسرائيل الضالة -كما سماهم السيد المسيح عليه السلام- من حرق وتخريب وتشريد لأبنائنا هناك، ودخلوهم المسجد الأقصى وتدنيسهم إياه وإطلاق الرصاص في جنباته -هذا هو الإرهاب الحقيقي، وليت القوى الدولية التي تنبري لحرب الإرهاب لتتخذه ذريعة لتمزيق بلاد العرب والمسلمين واللعب على وتر الطائفية والمذهبية، ليتها -إن كانت حقًّا صادقة في دعواها- تتحرك لنصرة هؤلاء المظلوين الذين ترتكب بحقهم أفظع الجرائم الإنسانية على أيدي أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، كما أخبرنا القرآن.

إن تاريخ اليهود -مع العرب بالذات- يشهد بمدى فسادهم وإفسادهم في الأرض، فهم يستبيحون مع العرب ما يحرمونه في دينهم، فالزنا حلال مع العرب حرام مع اليهود، والربا حلال مع العرب حرام مع اليهود.... إلخ، وقد أخبرنا القرآن عنهم فقال ربنا سبحانه: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}، فتجد شخصية العربي في الأدب اليهودي مهانة، حيث إنهم يصورون العربي في رواياتهم على أنه شخص تافه لا يفهم شيئًا، ولا قيمة له.

وما يحدث اليوم في أرض فلسطين نرى فيه كل تبجح وإجرام، وعدم احترام للمواثيق الدولية، وعدم مراعاة لأدنى حقوق الإنسان بأي حال من الأحوال، إسرائيل تلك النبتة الخبيثة التي زرعها الاستعمار الأوروبي في قلب بلاد العرب والمسلمين (فلسطين)، ها هي تتبجّح وتنتهك الحرمات، وتلقي بالتهمة على من يدافعون عن أرضهم وعرضهم ووطنهم!!

وليت ملوك وزعماء العرب يسترجعون تاريخهم وكيف انتصروا عندما وقفوا صفًّا واحدًا، ليتهم ينتبهون قبل فوات الأوان، فالقوى الاستعمارية التي تساند ربيبتها الخبيثة إسرائيل تنشر الفرقة والخلاف والشقاق بين الدول العربية والمسلمة كي تفرقهم، فليتهم ينتبهون ويعلمون جيدًا أن يد الله مع الجماعة وأن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية منها، بل على الأقل لا يحرمون إخوانهم الفلسطينيين من تقديم المساعدة لهم والعون من الغذاء والدواء والوقوف بجوارهم في أزمتهم حتى يخرجوا منها بعون الله تعالى.

ولكنا للأسف لم نسمع من يرفض أو يعترض من زعماء العرب والمسلمين، وكأن الاعتداء على الفلسطينيين وتدنيس حرمة مسرى رسولنا الكريم أمر جائز لا حرج فيه!! وصدق من قال:

أين النظام العـــالــمي أمـــا لــه أثـــرٌ؟ ألــــمْ تنـــعــقْ به الأبـــواقُ؟!

أين الســلامُ العالميُّ لــقــد بَــدَا كـَذَبُ الـــســلامِ وزاغتِ الأحداقُ؟!

يا مجلس الخــوف الذي في ظله كــُسـر الأمان وضُـــيِّــعَ المـيــثاقُ

أَوَمَا يُحركك الذي يجري لــنـــا أَوَمَا يـثــيرك جرحـُـنـــــا الدفـّاقُ؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف