صباح الخير
عزة بدر
«شجرة حنان فى الضل تلم شمل الكل»
«خد الربابة يا بن بلدى وغنىِّ
بلدك حبيبتك نبض الموال
بلدى يا مصر
أنا بين ضلوعك جنين
أنا على صدرك صبى
مليان غُنى
مليان حنين»..
هكذا تكلم الشاعر عبدالرحيم منصور الذى امتلأ قلبه بالغناء والحنين فأمتعنا بقصائده وأغانيه.

• الرقص على الحصى
أهدى ديوانه الأول «الرقص على الحصى» لوالدته بنت الشيخ «إسماعيل الخلاوى» من «دندرة» نجع «الرد» بندر «قنا» فوضع أيدينا على أهم مصادر شعره، وضع أيدينا على الينابيع التى تدفقت فى قلوبنا طول الوقت ثرة عذبة فهو فى كل قصيدة وفى كل أغنية يهتف بلحنه الخالد «الحياة للحياة».
يقول عبدالرحيم منصور فى إهدائه إلى أمه: «تعلمت على يديها الشعر فحينما كنت صغيرا كنت أجلس بجوارها أمام «الفرن» وهى تخبز أرغفة الخبز على نيران شجر السنط، وأشعر أن الإنشادات التى تقولها أمام النار كأنها نقش الفراعنة على المعابد القديمة، وأن هذه الإنشادات هى التى تُطَيِّب الخبز وليس شجر السنط»، وكما أهدانا عبدالرحيم منصور أشعاره وأغانيه التى طَيِّبت لنا طعم الحياة، أهدت الشاعرة والزميلة الصحفية مى منصور إلى المكتبة العربية هذا الكتاب الذى جمعت فيه الأعمال الكاملة للشاعر وبدورها تهديه إلى روح الشاعر، عبدالرحيم منصور وإلى روح ابنته عالية وإلى الإنسانية.. ومى منصور تجمعها بالشاعر صلتان قويتان، الأولى: هى صلة الرحم فهو عمها، والثانية: صلة الشعر التى هيأت لها أن تجمع الأعمال الكاملة للشاعر فى رهافة ودقة، فخصصت فصولا من الكتاب لجمع رباعياته تحت عنوان «رباعيات الحب» وأخرى للحكمة وهما فصلان من أجمل فصول الكتاب الذى ضم ديوانين هما: «الرقص على الحصى»، و«ما تصالحوا مصر يا مؤمنين»، كما ضم الكتاب قصائده التى غناها أشهر المطربين ومنهم: عبدالحليم حافظ، وشادية، ووردة، وفايزة أحمد، ونجاة، ومحمد قنديل، وسعاد محمد، ومحمد رشدى وعفاف راضى، ومحمد منير، وعلى الحجار، ومدحت صالح، وهانى شاكر وسميرة سعيد وآخرين.
كما ضم الكتاب أغانيه التى كتبها للمسلسلات التليفزيونية مثل مسلسل «مارد الجبل» 1977 ومسلسل «سيدة الفندق» 1983، كما ضم الكتاب أغنياته التى قدمها للمسرح مثل ما قدمه من أغان فى مسرحية «تمر حنة» التى قام ببطولتها النجمان: وردة وعزت العلايلى وهى مسرحية غنائية.
• رباعيات الحب
وشاعرنا الذى اشتهر بأغنياته العذبة الغزيرة له رباعيات اختزل فيها معانى الحب وتقطرت فيها ينابيع العاطفة المشبوبة التى تسم عالمه الشعرى بالرهافة والعذوبة. وفى رباعياته تتجلى عناصر ساطعة الضوء والبياض، وتناقضها عناصر أخرى ترصد لحظات الضعف الإنسانى، وبين سطوع وقتامة يأتلق نجم الشاعر الذى جمع بين حضن الجليد الصافى والقلب الغبار! وبين ساعة لقا وكل الزمان، الشاعر الذى امتلأ قلبه فرحا بعينين كعصفورتين تزقزقان، وبكى ألما كعصفور بلا عش، لا عينه شافت نور، ولا مس حبة قش!
الشاعر الذى يؤلف بكاء قلبه على نغمات الناى مناشدا فرحة الحياة وأمنياته فى عين الحبيبة.. إليك عالم عبدالرحيم منصور فى رباعياته.. جمال الصورة الشعرية وكثافتها، حضن التعبير الفنى عن عناق المتناقضات: القسوة والتحنان، النور والظلام، مساحات واسعة للحنان تلتم فى ظل شجرة.
«حَرَّان وحضنك جليد
صافى وقلبك غبار
مين قال لقاهم بعيد
التلج ويا النار»
••
«فى الماضى واللى جاى
بأنده وأدور عليكى
ساعات يرد الناى
وساعات تجاوب عنيكى»
••
«سمونى أنا العصفور
وسيبونى من غير عش
لا عينى شافت نور
ولا إيدى مسكت قش»
••
«معرفش إيه لون مسايا
ونسيت كمان ذكرياتى
أول لقاكى معايا
هية بداية حياتى»
••
«من الحبايب فرحنا
ومن الحبايب بكينا
زمان بيحضن فرحنا
وزمان بيقسى علينا»
••
«يا بنت ساعة لقا
بتساوى كل الزمان
عنيكى دى زقزقة
وَيَّاى فى كل مكان»
••
«بودى أزرع شجرة
شجرة حنان فى الضل
ترخى عليكى يا سمرة
وتلم شمل الكل»

• رباعيات الحكمة
وفى رباعيات شاعرنا حكمة اختزنها من ميراث الأجداد، تجرى مجرى النهر من المنبع إلى المصب، عامرة بالمحبة والفهم والعطف على الإنسان، حكمة العطاء: ما يزرعه المرء سيجنيه أيضا، حكمة البذل، حيث ظلام العالم لا يمكن أن يطفئ شمعة، حكمة الأمل فى الغد حيث «العمر مالوش سن»، والشباب شباب القلب، حكمة امتلكها الشاعر وملكته فهى خلاصة دمع وفرح، سعادة وشقاء.. أن تلمس قلب الأشياء، عليك أن تضع نفسك مكان الشاعر.. أن تتهيأ لرحلة العطاء، لتسير إذن بجوار النهر من المنبع إلى المصب حيث الحكمة أقوى من الزمن، تمتد من جد إلى أب، ومن أب لابن.. على نواشر المعاصم، فى دروب الخيال، فى التصورات الذهنية، فى الصور الشعرية، فى الأمثلة التى عجنتها التجارب، وطحنها الأسى، حيث الأناشيد وحدها تطِّيب الخبز، والأناشيد وحدها تطبب جروح الإنسان.
.. فى الشدة والرخاء يذيق البشر بأسهم لبعض، ولكن الجروح قصاص، وإذا مس القوم قرح فقد مس الآخرين مثله! إنها حكمة الحياة التى لا تسير على وتيرة واحدة وإنما الأيام دول بين الناس.. لنرتحل مع أشعار ورباعيات الشاعر وخذها منه حكمة:
••
«تَبِتْ حبالك وبَحَّر
ويا الرفاقة المليحة
فى الشدة وياك تشمر
وتعدى لأيام مريحة»
••
«ياللى غويت الليالى
خايف عليك من حبالها
ليبقى حالك ده حالى
وتدوق حرامها وحلالها»
••
«جاهل يا طامع فى رمال
عمرك كضلك يفوت
فوق ذكرى حلوة حلال
بدل الضلال والسكوت»
••
على كل لون الحياة
على كل لون يا بشر
بشر بتخلق حياة
وبشر بتقتل بشر»
••
«على كل لون الدموع
دموع فرح وأنين
دموع فى غربال سبوع
ودموع فى قلب حزين»
••
«اوعى يا خَيَّال تميل
عمر الخيول ما بترحم
لا حيرمى سرجه الخيل
ولا حتى على صاحبه يندم»
••
«أيام علينا تعدى
وتمر مثل السحاب
واحنا بناخد وندى
ونبيع لبعض العذاب»

• ورد وشوك
مكابدة الحياة لها لذة العشق، وقسوة الفراق، وكم ذا يكابد عاشق ويلاقى من الحياة كثيرة العشاق! أهكذا أراد أن يقول شاعرنا وهو يصف حيرته، أسئلة الرحلة، المراوحة بين اليأس والرجاء، حديث الناس ومناجاة الذات، رحلة الورد، ورحلات الشوك.. فتراه يقول:
«عايش على دى الحال
ألف وأتعب لحالى
وكل ما أسأل سؤال
يرجع لى تانى سؤالى»
••
«ما زرعتش الورد عمرى
وباشم ريحة عبيره
آه ع اللى يزرع ما يدرى
ويجنى لكن لغيره»
••
«أنا كلمة منها الحقيقة
سابتنى ليه الخلايق
وحدى ومن غير شقيقة
عريانة بين الشقايق»
••
«عالم بودان كبيرة
سامعة وماهيش سامعة
الضحكة بتساوى حيرة
والفرحة بتساوى دمعة»
••
«أنا شلت حِمْل صديقى
وشلت همه وجروحه
وأنا لوحدى فى ضيقى
وهو عايش لروحه»
••
«سوا فى الطريق السهل
أو فى طريق الصعب
جاى بالورود والفل
بكرة لجموع الشعب»

• زاد الرحلة
فإذا ارتحلت فلا ترضى بغير صخرة سيزيف تلك التى كانت كلما سقطت رفعها، مكابدته ومحاولاته تؤكد أن معنى عميقا من معانى الحياة أن تحاول.. مضى جدنا عباس بن فرناس بجناحى طائر ومن نافذته علمنا أن نطير.. طورنا السقطة إلى نهوض، والعثرة إلى محاولات أخرى للرفرفة، وبعد محاولات كابدناها نجلس الآن لنشرب القهوة على متن طائرات البوينج! ننظر من نوافذنا القريبة فنسبح كأسماك بيضاء بين السحب، فى لحظة ما نتذكر ابن فرناس، نراه فى مخيلة الذاكرة وهو يضم جناحين من ريش فنضم الجوانح على ذكراه الطيبة.. والآن.. وفى المخيلة، وفى ذاكرة الجماعة شاعر من بندر قنا، وأمه من «دندرة»، نجع «الرد»، بندر قنا.. يطل علينا عبدالرحيم منصور وهو يقول: «الإنشادات هى التى تُطِّيب الخبز كأنها نقش الفراعنة على المعابد القديمة»، نراه فى مخيلة وذاكرة الحب والحكمة وهو ينشد «الحياة للحياة»:

«اوعى تريح وترسى
وتقول ده آخر المطاف
الدنيا ملهاش مرسى
والحِمْل فوق الكتاف»
••
«يا صاحبى عافر إن
لم يحظ حلمك بمرسى
ده العمر مالوش سن
والدنيا قدامنا لسة» •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف