صباح الخير
نجلاء بدير
الحياة وسط الدخان .. والحرائق
بعد أقل من 36 ساعة من حدوث الحريق الكبير فى الرويعى.. كنت هناك
كنت أعرف أن تغطية الحدث صحفيا لن تترك لى جديدا لأكتبه..
لذلك لم يكن هدفى الأول الكتابة، كنت بالفعل مدفوعة بالرغبة فى المشاركة أو المواساة.

فى الرويعى كان الناس يناقشون ظاهرة غريبة. لاحظتها منذ الوهلة الأولى لدخولى المنطقة. وهى أن المبانى المحترقة بعيدة عن بعضها البعض. وأن بين كل مبنى محترق وآخر يوجد عدة مبان لم تمسها النار.
انقسم أهل الحى إلى رأيين أحدهما كان يرى أن الحريق تم بفعل فاعل وأن هذا الفاعل أو هؤلاء الفاعلين أشعلوا النار عشوائيا فى مبان متباعدة. وأن الهدف النهائى من هذا كله هو تدمير المنطقة تمهيدا لإخلائها.
الرأى الثانى كان يشرح كيفية تطاير النيران التى بدأت فى فندق الأندلس، وهو مبنى كبير يحتل الفندق بعض أدواره وباقى المبنى يستخدم كمخازن لملابس وأحذية قابلة للاشتعال، تحول بعضها لكرات من النيران تطايرت وحملها الهواء وأسقطها على مبان فى المنطقة هى أيضا تستخدم كمخازن لمواد قابلة للاشتعال وهكذا.
الحق أننى كنت أميل لتصديق الرأى الثانى رغم غرابته. (سأوضح أسبابى فيما بعد).
لذلك عندما هاجم أحد أصحاب الرأى الأول الفكرة قائلا: (يعنى الهوا طير النار لحد شارع الجيش) نهره صاحب الرأى الثانى قائلا (إيه يعنى هو ميدان الجيش ده ف ليبيا؟ ما هو خطوتين).
قال الأول (طيب والمبنى ده، الحريق جوه المنور، والأدوار اللى تحت اتحرقت واللى فوق لأ، ازاى بقى؟).
نهره الثانى مرة أخرى قائلا (يا سلام طبعا واضح جدا أن كرة النار سقطت فى المنور مرة واحدة وبدأ الحريق من تحت).
حسم النقاش صوت ثالث (ده نصيب يا جماعة، واحد نصيبه أن مخزنه تحاوطه النار من الجهتين وما تطولش حاجة من عنده مش ده رزق والرزق بتاع ربنا انتوا كمان هتتكلموا فى قدرة ربنا).
• تتعالى الأصوات ونعم بالله.
كنت أميل لتصديق الرأى الثانى لأن الفاعل المقصود هو الحكومة التى تريد إخلاء المنطقة، ونظرة سريعة على المنطقة تثبت بما لايدع مجالا للشك أن هذه المنطقة لا يمكن إخلاؤها لا بحريق محدود ولا حريق كبير.
الحريق فى الرويعى كان كبيرا والخسائر كانت كثيرة، لا يمكن تقديرها بسهولة، فلا أحد يعرف حجم البضاعة الموجودة هناك، ولا أحد يعرف عدد العاملين، ولا حجم رءوس الأموال. لكن رغم هذا المنطقة الأكبر لم تتأثر.
المحلات والمخازن وحركة السوق كانت مستمرة حتى فى أقرب المناطق للحريق الأساسى.
الباعة يزيحون الماء الناتج عن الإطفاء ويفرشون بضائعهم، والزبائن برغم قلة عددهم إلا أنهم متواجدون.
الأعجب أن الحريق يتجدد فى بعض المبانى ويتصاعد الدخان من جديد فتأتى المطافى تطلق خراطيم المياه.
يملأ الدخان صدورنا ويغطى الشارع، ويدفعنا صاحب أحد المحلات بعيدا، (هى مش فرجة يعنى، كل ما الحريق يشتغل تقفوا تتفرجوا قدام باب المحل، ده مكان أكل عيش ده يا جماعة، كل حى يروح لحاله بقى).
ويدفعنا آخر بعيدا عن عرض الشارع يزيح المياه ويفرش بضاعته، ويصرخ موجها لى الكلام بعد أن لاحظ أننى التقطت صورته، (عنفرش عنفرش.. لو ضربونا بالنار.. إحنا مش منقولين من مطرحنا).
على بعد خطوات كانت صوانى الإفطار وصلت يحملها شاب يرتدى مريلة المطعم، وكان الرصيف أعد تماما لاستقبال الفول والخبز والبصل.
الرجال يأكلون ولسان حالهم يقول نحن أقوى من الحريق.
أعدت السؤال على نفسى: من يمكن أن يفكر فى تحريك هؤلاء من أماكن تجارتهم باستخدام طريقة قديمة جدا، الحريق؟
• لا أعتقد.
بعد ساعات من مغادرتى للرويعى، تلقيت أخبار حريق فى الغورية ثم العباسية ثم الدرب الأحمر ثم دمياط والصعيد.
لا يمكن أن تكون كرات النار تتطاير إلى كل هذه الأماكن، إذن للأسف التفسير الذى تبنيته لم يعد مقبولا، والأقرب للمنطق أن هذه الحرائق المتفرقة بفعل فاعل، لكن أيضا الهدف المتصور لهذا الفاعل أصبح هو الآخر غير منطقى.
فالحريق لا يطرد السكان ولن يتسبب فى إخلاء أماكن. لا فى الرويعى ولا فى غيرها من مناطق الأسواق الشعبية.
كما أن الحريق طال أماكن مختلفة تماما مثل مصنع خشب كونتر، ومثل مكاتب فى محافظة القاهرة، ومخزن فى قصر العينى.
من الفاعل وماذا يريد؟
سننتظر ونرى.
لكن بعيدا عن أماكن أكل العيش. •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف