مايكل عادل
الحكومة تسأل والفيزياء تجيب.. عن الأمل والهزيمة
نشرت بعض الصحف تصريحاً منسوباً للسيد سامح شكري وزير خارجيّة جمهورية مصر العربيّة، وذلك أثناء لقائه بأعضاء لجنة العلاقات الخارجيّة بمجلس الشعب، وقد كان التصريح المذكور بمثابة مُلخّص لكل الأداء الحكومي خلال الفترة الحالية من تاريخ مصر، فقد قال الوزير أن مصر ليست دولة رائدة في أي شيء، وأننا لا نسعى إلى أن تكون رائدة أيضاً.
في الحقيقة ورغم عدم القدرة على استيعاب أن يأتي تصريح حامل تلك الحقيبة السياديّة على هذا النحو، ورغم صعوبة تصديق هذا التصريح مجرّداً من الحشو الإعلامي –وإلا سنكون أمام صراحة غير مسبوقة من الوزير- فإننا الآن أمام الحقيقة العارية “ولا مؤاخذة” في شأن السياسات الحكوميّة الحالية الخالية من أي شيء يمت إلى الخيال والإبداع بصلة، بل إنها خالية أيضاً حتّى من أبسط قواعد البيروقراطيّة المعتادة التي تصب في ميزان العمل الروتيني الذي يحفظ للبلاد توازنها دون أن تخطو إلى الأمام ولا إلى الخلف، ذلك الميزان المتجسّد في سياسات عصر محمد حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
على مدار ثلاثة عقود تولّى مبارك الحُكم خلالهم، اتّسم الأداء الحكومي بسياسة “الركض في المكان”، والتي تشبه إلى حد كبير أن يمشي أحدهم على سير يتحرك في الاتجاه المضاد وبنفس سرعة الحركة ليحافظ على البقاء في ذات النقطة دون التقدّم أو التقهقر، تلك السياسة التي أصابتها الشيخوخة خلال السنوات العشر الأخيرة في عصر مبارك.
أما الآن فنحن أمام نموذج حكومي مختلف تماماً، فهذا النموذج لا يدّعي الإنجاز ولا يطمح إليه ولا حتّى يدّعي السعي نحوه، والغريب في الأمر هنا هو أن هذا النموذج صادق تمام الصدق في تلك المقولات المترددة عن عدم السعي إلى الريادة، صادق بشكلٍ رهيب، وعلى نحو مرعب وكأنه يريد إيصال رسالة إلى من يهمهم الأمر مفادها أننا بالفعل لا نريد أن نحتل مكانة رائدة وقائدة، لن نطوّر نظام التعليم ولا السياسات الأمنيّة، لن نحسّن من منظومة الصحّة ولن نرعى الفن أو حتّى “نسيبه في حاله”، لن نسمح للسياحة أن تعود إلى سابق عصرها في أرض تحمل أقدم الحضارات الإنسانيّة.
لقد قال أن مصر ليست دولة رائدة ولن نسعى لأن تكون، لم يقل أنهم لن يستطيعوا أن يجعلوها كذلك، بل قال أنهم لا يسعون إلى ذلك وهنا مكمن الفرق، فمصر لو تُرك لها الحبل على الغارب ستكون رائدة بفعل القصور الذاتي، لو تُركت لها حريّة الحركة في مجالات مثل الفن والسياحة والإعلام والأدب والثقافة والرياضة، ستصير رائدة وبأقل الإمكانيّات، بإمكانيّات الأفراد فقط.
هم لا يسعود إلى الريادة ولا يريدون أن يتركوا للأفراد إمكانيّة تحقيقها، فالفَن يُحارَب، والأدب يُحاكَم، والآثار يتم إتلافها، والسياحة تُطرَد والرياضة تُخرَّب بصراعات وهمية بين أباطرة رأس المال.
هم لا يسعون إلى الريادة ولكن نحن نسعى، ونستطيع أن نخلق الفنون والإبداع، نستطيع أن نقود مبادرات نشر الثقافة كمبادرة “التيار الثقافي البديل” التي يقودها الزميل “سامح فايز” بمساعدة عدد كبير من دور النشر لتحقيق تغطية ثقافية للقرى والأقاليم، نستطيع أن ندخل أكبر مهرجانات الفنون العالمية بأفلام مستقلّة الإنتاج وبالتدريج سنوجد لأنفسنا مكاناً على منصّة الجوائز الكُبرى، نستطيع أن نحقق الفوز بالألقاب الدولية في الرياضات الفرديّة التي يصعب على الصراعات المفتعلة أن تجهض السعي فيها، نستطيع بالحلم والنفس الطويل أن نكون –كشعب- من يخلق الريادة التي لا تسعى الحكومة إلى تحقيقها.
الكلمات النظريّة التي تبيع الأمل وتتقاضى الأجر بالمقابل لا مكان لها هنا، ولكننا الآن نتحدث عن حقائق ووقائع أثبت الفرد فيها جدارته، فأمام كُل أمل يُقتَل عمداً هناك آلاف الآمال التي تولد وتتقافز أمام وهم الهزيمة النفسيّة التي يسعى الكبار إلى بثّها في النفوس لتكتمل أسطورة “عدم الريادة”، فالإبداع يهزم البترودولار والإيمان بالنفس هو حبل المشنقة حول رقبة اليأس والهزيمة النفسيّة، تستطيع روح زياد بكير أن تخلق فنّاً وتقدر روح أحمد بسيوني أن ترسم باباً للخروج من الهزيمة، فخيط الأمل الرفيع يمكنه أن يمر من بين قضبان الظلام والهزيمة، ولا يمكن للإحباط أن يستمر للأبد وكذلك سينقطع أي حبل يريد أن يجذب قاطرة الإبداع والأمل والحلم إلى الخلف، الفيزياء تقول ذلك وأنا أصدّق فيها.