التحرير
أحمد عبد التواب
إلى أين تصل قطر بسلاح الجزيرة؟!
يظل موقف قطر ضد مصر غريباً، فى أسباب العداء، وفى سفوره، وفى جرأته فى التحدى، وفى تبريرات حدته إلى درجة اختراع أحداث كاذبة وفبركة ما يبدو أنه وقائع تدعم العدوان الذى هو فى الأصل غامض الأسباب! ولم تعد تقنع المقولات الدارجة بأن قطر تقوم بدور فى مخطط أمريكى ضخم، وأنها لا تملك إلا السمع والطاعة..إلخ. هذا كلام غير كافٍ.

وأما موقف حكومة مصر من كل هذا فهو الأكثر غرابة!!

لماذ تظل الحكومة صامتة إزاء هذا العدوان الغليظ من الموقف القطرى الرسمى ومن قناتها "الجزيرة" التى هى سلاحها القوى فى كل معاركها؟ وهل هناك ما يضطر مصر إلى اتخاذ هذا الموقف الذى يُظن أنه يبدو حكيماً؟ وكيف تدع المسئولين فى قطر أصحاب هذه القرارات والأفعال المبادِرة بالعدوان يحسون بالطمأنينة من أن مصر لن ترد الفعل بما ينال منهم؟ وهو أمر سهل حتى مع الالتزام بالقانون الدولى والقواعد الإقليمية، ومع احترام جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى.

بل إن مصر تقبل على نفسها، وهى صاحبة الحق، أن تكون أحياناً فى موقف المدافع عن نفسه، فى بعض القضايا التى ثبتت فيها وقائع تشين قطر وقناتها "الجزيرة". حتى عندما يُضبَط فى القاهرة بعض المراسلين والعاملين متلبسين بالتزوير والفبركة، وحتى عندما يعترف بعضهم ويقول إنه ينفذ تعليمات صريحة من رؤسائه فى الدوحة، وحتى عندما يستقيل بعضهم احتجاجاً على تزوير طال عمله، مثل أن يرسل مادة خبرية تغطية لحدث ما فيُفاجأ بها تُبَث بعناوين أخرى وتعليقات أخرى وتواريخ أخرى منسوبة زوراً وبهتاناً لحدث آخر! ومثل هذا كثير!! ثم يكون فُجْر الجزيرة فى أعلى مستوياته باتهام مصر أنها تعتدى على حرية الصحافة والإعلام! فتكون المفاجأة أن تأخذ مصر الاتهام بجدية وتروح تعدد الأسباب التى تبرر بها صحة موقفها!

وليست "الجزيرة" وحدها، بل إن دولة قطر لا تتورع عن اتخاذ مواقف لإشهار هذا العداء، ويكفى فقط التذكرة بإصرارها على استعادة وديعتها الدولارية من البنك المركزى المصرى رداً على الإرادة الشعبية التى أطاحت بحكم الإخوان، فى عمل لا يُقصَد به سوى الإيذاء لأنه كان يدخل فى باب العلم العام مدى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعانى منها البلاد والحاجة الشديدة للغطاء بالدولار. ثم احتضان قيادات الإخوان المتهمين فى جرائم إرهابية وتوفير الملاذ الآمن لهم وتوظيفهم معلقين دائمين فى قناتهم على الأحداث المصرية، بل والتوسط لدى دول أخرى لمنحهم إقامات رسمية!

هجوم "الجزيرة" لا حد له ضد كل ما يحدث فى مصر وإعادة توصيف كل شيئ ليتماشى حتى بالقسر مع الموقف المسبق: مشروع تطوير قناة السويس فاشل من الناحية الهندسية الصرف، وأنه سوف ينهار قبل الانتهاء منها ويتسبب فى كارثة بيئية قد تُنهى مستقبل القناة الأم إلى الأبد. وأما لجوء الصين لبحر الشمال فى رحلات أساطيلها إلى أوروبا فسوف يقضى قضاء مبرماً على القناة حتى إذا كان لا يزلا باقياً منها شيئ من انهيار مشروع التطوير، والمؤكد أنها ستكون مجرد ترعة داخلية. وأما مشروع سد النهضة الإثيوبى، فقطر تدعمه مادياً فى عدوان صريح على حق الشعب المصرى فى المياه، قبل أن يكون موقفاً منها فى الصراع مع الحكومة المصرية، ثم تستمر حملة "الجزيرة" بأن العطش قادم إلى مصر، وأن مستقبل مصر صار بلون الجحيم.

وفى كل الأحوال، فإن معظم الضيوف المعلقين على الأحداث فى "الجزيرة" من الإخوان أو من حلفائهم، لا يعرفون اللغة المحايدة التى تتشدق "الجزيرة" بأنها ملتزمة بها، وإنما بالتشفى فى الكوارث حتى الطبيعية منها، ولوى كل ما يجرى لصالح رؤيتهم المسبقة. مع ملاحظة أن ما يُدفع لهم فى هذا اللغو على هذه البرامج أكثر أحياناً مما يتحصل عليه نجوم السينما فى القنوات الأخرى.

إيه الحكاية؟!

انظر إلى بعض اللقطات الأخيرة فى المسلسل المستمر دون توقف!

حتى حرائق الرويعى والغورية تُستَغل فى نفس الإطار، بترويج يخفت حيناً ويعلو حيناً، فى سياق ما يبدو أنه تغطية إخبارية محايدة، يُقال إنها ليست أحداثاً عارضة مما ينجم عن الإهمال أو بسبب غياب المعدات الحديثة أو حتى بسبب ضعف أداء شرطة الإطفاء، وإنما هى مؤامرة من الحكومة المصرية! ويُقال فى مرات أخرى، بأنها بيد فاسدين كبار يعملون فى ظل حماية الحكومة، بهدف تفريغ هذه المناطق من الباعة البسطاء لاستغلال المواقع الفريدة فى قلب القاهرة لصالح أصحاب البيزنس الهائل المدعومين من الحكومة، أو الذين يخترقون بالفساد الجهات المسئولة فى الدولة.

لم يأخذ معظم المصريين أفعال "الجزيرة" على أنها إهانة وطنية، بل إن ظاهرة التهكم منها بلغت أشدها فى فترة ما، حتى جعلوها أضحوكة بعمل مداخلات على أعلى درجات الاستهزاء من "الجزيرة" ومن العاملين فيها، حتى أصيب مذيعو الجزيرة بالذعر والتوجس من مداخلات المصريين التى لا يعرفون متى وكيف سيتحول سريعاً كلام المتحدث إلى ما لا يمكن توقعه.

ولكن هذه الأفعال التلقائية من المصريين لا تعفى الحكومة المصرية من وجوب التصرف حيال ظاهرة قطر وقناتها، عل الأقل فى الاتحادات الدولية للصحافة والإعلام، بعد توثيق هذه الانتهاكات الصارخة للقواعد والأخلاقيات المهنية واجبة الاتباع. وأيضاً على مستويى مجلس التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف