أعترف بأنى فرحت لفوز صادق خان، بمنصب عمدة لندن، كما يفرح المرء لفوز صديق يعرفه.
كان صادق خان يصارع 11 منافسًا ، وكان الضرب فيه خلال مرحلة الترشح فوق الحزام وتحت الحزام، وكان كل منافس له يبحث عن أى شىء يضعفه، فيركز عليه، ويبرزه فى وسائل الإعلام، ويسلط الأضواء عليه.. وكان عمدة لندن السابق بوريس جونسون يتمنى لو يستطيع أن يفعل أى شىء لإسقاط خان!
كان فوز «خان» احتمالًا ضعيفًا، أو بالأدق يمكن أن نقول إن احتمالات فوزه كانت فى أحسن الأحوال، مثل احتمالات خسارته.. فالحرب عليه كانت قوية، وكانت قاسية، وكانت هناك أطراف أخرى، بخلاف المنافسين، تعمل على إسقاطه، ويكفى أن نعرف، أن هذه هى المرة الأولى فى تاريخ العاصمة البريطانية، التى يفوز فيها مرشح مسلم لمنصب العمدة فى المدينة، ولم يحدث من قبل أن فاز مسلم بالموقع.
ولابد أن صحفًا كثيرة، فى لندن، وفى غير لندن، كانت قد أعدت مادة صحفية مسبقًا، لتسرد من خلالها، الأسباب التى كان من أجلها لابد أن يخسر صديق خان، ثم لابد أن الذين أعدوا مثل تلك المادة، التى أتخيلها، قد أصيبوا بصدمة بعد فوز الرجل!
أما سبب فرحتى، التى لابد أن تكون موجودة بالقدر نفسه لدى آخرين، فهو أن إقبال أبناء لندن الذين يبلغ عددهم 6٫8 مليون نسمة على انتخاب صديق خان، معناه، أن المزاج العام عند الغالبية فيهم التى أنجحت خان، ليس ضد المسلم، كمسلم، فى شىء، بدليل أنها اختارته تحديدًا، رغم وجود عشرة مرشحين فى منافسته، ليسوا مسلمين.
لقد جاء وقت على الإنسان السلم، خصوصًا فى أوروبا والولايات المتحدة، فيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبح فيه هذا الانسان يتوارى فى أى تجمعات عامة، خشية أن يشار إليه، على إنه مسلم، وعلى إنه بالتالى، ينتمى إلى الدين الذى كان يدين به أولئك الذين جرى اتهامهم بأنهم ارتكبوا الأحداث فى واشنطون، وفى نيويورك، وقتلوا فيها ثلاثة آلاف أمريكى.
وبامتداد السنين من عام 2001 إلى عام 2016 الذي فاز فيه «خان» بمنصبه، كانت أحداث أخرى تقع هنا، ثم هناك، وكانت الأضواء والكاميرات تتجه إليها، وتصب كل جهدها فوقها، إذا ما كان هناك مجرد احتمال، بأن مرتكبيها مسلمون، وكان المعنى من ذلك كله واضحًا، ولم يكن فى حاجة إلى شرح، ولا إلى بيان.
أما إذا كان مرتكبوها غير مسلمين فقد كانت الحادثة تمر فى هدوء، دون صخب، ودون أن تكون محل اهتمام من وسائل إعلام العالم.
كان المراد من كل ذلك، أن يقال، إن الارهاب، كعمل، هو مرادف الإسلام، كديانة، وكنا، ولا نزال نقول، إن الإسلام فى فطرته الأولى، وكما نزل من السماء، شىء، وأن سلوك وتصرفات بعض الذين يعتنقونه شىء آخر تمامًا، خاصة إذا كان سلوكًا داعيًا إلى عنف، أو كانت تصرفات محرضة على فعل من أفعال القتل.
الآن.. وبعد فوز خان بمنصبه، أظن أن مثل هذه الصورة التقليدية عن الإسلام، أو حتى عن المسلمين فى عمومهم، لابد أن تتغير، وأن يدرك الذين روجوا لها بامتداد سنين، أنهم كانوا على خطأ، وأن إيمان مائة مسلم، أو ألف، أو حتى آلاف، بالعنف، ليس معناه أن هذه هى عقيدة المسلم السوى، ولا أن الإسلام قد دعا إلى ذلك بأى صورة.
الآن.. سوف تكون الصورة هناك فى بريطانيا خصوصًا، ثم فى أوروبا عمومًا، أن الإنسان المسلم يمكن أن يكون مسئولًا، وأن يكون بنى آدم سويًا، وأن يكون قادرًا على أن يحمل مهام أى مسئولية، وأن يكون ضد العنف بكل أشكاله، لأن دينه يعلمه ذلك فعلًا، ولأن دينه أبعد ما يكون عن أن يكون دينًا لعنف أو لتحريض عليه.
أليس هو الدين الذى يقول القرآن فيه، بشكل صريح: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين»؟!
فوز صديق خان لا يجب أن يكون فوزًا مجانيًا.. من حيث عائده الذى يجب أن يصب فى إطار الصورة.. وليس خارج الإطار!