الوطن
محمد الدسوقى رشدى
ما فعله الرئيس!
ضع ملاحظاتك كيفما تشاء على أداء رئيس الدولة والحكومة والبرلمان، قُل إن البعض منها سيئ، وقل إن البعض الآخر ليس على مستوى التحديات، وقل إن جزءاً منها غير مقبول، هذا حقك وتلك طبيعة علاقة أى سلطة بالرأى العام، وتلك طبيعة الحياة نفسها، الكمال فيها لله وحده.

الإقرار السابق بحقك فى وضع ما تشاء من ملاحظات يفرحك، أعلم ذلك، فلا شىء أسهل من الحديث عن السلبيات، ولا شىء أكثر إثارة من الكتابة عن الأخطاء، ولا شىء أكثر جلباً لجدل الشهرة من المعارضة اللاذعة، ذلك ما تعرفه، أما ما لا تعرفه أن كل صاحب نقد لن يصل إلى مرحلة الإنصاف والتأثير فى الشارع إلا إذا كان قادراً على الاعتراف بنفس الحماسة والكتابة بنفس الإخلاص عما هو سلبى وما هو إيجابى، لذا يبدو الأمر مستفزاً وأنت تقارن بين كل الضجة والصخبة التى تنتشر فى الأجواء مخلوطة بالغضب حينما يسقط وزير فى فخ إطلاق تصريح خاطئ أو يرتكب أمين شرطة تجاوزاً فى حق مواطن، وقتها تعلو موجة الغضب، ويهتف الكل بحماس عن أخطاء الدولة وتنشط ماكينة الكتابة فى الحديث عن السلبيات، وتتحول الواقعة محل الغضب إلى مانشيتات وعناوين ساخنة، على العكس تماماً تخرس الألسنة ويعم الهدوء حينما تفتتح نفس الحكومة أو نفس الرئيس مشروعاً هاماً وكبيراً يحل أزمة يعانى منها المصريون، لا يجد الإنجاز نفس مساحة الصخب أو النشر التى وجدها الفعل السلبى، وكأننا أدمنا الصراخ على الخطأ فقط، واعتبرنا الاحتفاء بكل ما هو إيجابى أو إنجاز جريمة، تنشر الأخبار عن إيجابيات نفس الدولة على استحياء ويهاجم الفرحين بها والمروجين لها وكأنهم ارتكبوا جريمة حينما تحمسوا للمشروع أو الإنجاز أو الفعل الإيجابى وترويجه والفرحة به مثل حماسهم فى الإشارة إلى الخطأ.

راجع صفحات مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات والصحف وستجد أن خطأ أمين شرطة أو تصريحاً غير دقيق لوزير أخذ حجماً أكبر بكثير من فرحة المصريين بحل أزمة الكهرباء والطاقة على سبيل المثال، منذ عامين كان الكل يسخر من أزمة الكهرباء ومن تصريحات الرئيس عن حلها فى المستقبل من جذورها، اليوم كسب الرئيس الرهان وأصبحت أزمة الكهرباء من الماضى ومع ذلك لم يعترف أحد ممن انتقدوه بأن عبدالفتاح السيسى أوفى بعهده ووعده.

يخجل أهل المعارضة الذين كانوا يعايرون نظام مبارك والإخوان بأنهم يتحدثون عن مشاريع وهمية ويكتفون بوضع أحجار أساس فى صحراء مشروعات لا تتم ولا يتم إنجازها، من أن يعترفوا بأن السيسى يختلف عن السابق، الرئيس الحالى سن سنة جديدة قال فيها وداعاً لزمن مشروعات حجر الأساس، وأصبحت مصر تحتفل بأى مشروع بعد أن تنتهى منه كاملاً، أو بعد العمل الفعلى به وإنجاز جزء كبير منه على أرض الواقع، حدث هذا فى الفرافرة وفى الإسكان الاجتماعى وشرق التفريعة، شاهدنا على أرض الواقع عملاً مكتملاً يتم افتتاحه أو إنجازاً مستقبلياً قطعة منه أصبحت حقيقة على أرض الواقع، لينتهى بذلك عهد الوعود غير المكتملة.

أمس الأول كان الرئيس يفتتح واحدة من كبرى محطات الكهرباء والطاقة، وشاهدنا الإنجاز على أرض الواقع وليس مجرد قص لشريط الافتتاح، وشاهدنا تأكيداً على تقليد جديد هو الجداول الزمنية والأرقام الواضحة، حينما عرض الوزراء والمسئولون على الهواء مباشرة جميع الأرقام والمعلومات الخاصة بالمشروع، حدث هذا فى الفرافرة وهضبة الجلالة وقناة السويس وبنى سويف، ليصبح كل وزير بما حدده من جداول زمنية وكأنه يعلن الالتزام أمام الشعب بتنفيذه، وقلت لك سابقاً إن الرئيس السيسى اختار الطريق الصعب، طريق العمل فى البنية التحتية لتأسيس أرض ثابتة لوطن يسعى للمستقبل، على عكس الأنظمة الأخرى التى عشنا معها أزمنة المسكنات التى ترضى الناس فى الشوارع لفترة ثم تتركنا لنعانى سنوات طويلة فى المستقبل.

لم تعد مسألة الطرق مجرد طبقة أسفلتية جديدة يتم من خلالها الضحك على الجمهور، بل أصبحت تأسيساً لطرق على أعلى مستوى، ولم يعد حل أزمة الكهرباء ملخصاً فى التلاعب بتوزيع الأحمال على المناطق بل أصبح حلاً جذرياً.

ولم تعد حفلات الافتتاح مسرحاً للأغانى والتهانى، بل أصبحت صالات عرض للمعلومات والأرقام وإعلان جداول زمنية ونقاش بين الرئيس والوزراء فيما يشبه كشف الحساب العلنى أمام الشعب.

الإنصاف أيضاً يقتضى الاعتراف بأن ما يتم إنجازه على الأرض فى مشروعات نسعى لتحسين وإعادة صياغة بنية تحتية كانت مترهلة أن كل هذه المشروعات تم تنفيذها فى أوقات قياسية، يكفيك الآن أن مصر تنفذ مشروعات الصوف الصحى فى ٢٥٪ من قرى مصر خلال سنتين، بينما قبل ذلك وخلال ٣٠ سنة لم يدخل الصرف الصحى سوى إلى ١٠ ٪ من القرى فقط.

بُعد آخر لا بد أن يكون حاضراً فى ذهنك، وأنت تنظر إلى هذه الإنجازات والمشروعات، وهو بُعد أكثر أهمية مما تظن أن كل ما يحدث من إنجازات يتم تحت قصف مباشر من دول لا تريد لمصر أن تنهض، وفى وسط منطقة مشتعلة مضطربة كان مقدراً لمصر أن تكون جزءاً من اضطرابها ونارها، ويحدث أيضاً بعد سنوات من الفوضى والارتباك، وفى ظل حالة استقطاب تعيشها مصر فى شكل غير مسبوق، لذا كن منصفاً وطبطب على كتف المجتهدين والمخلصين الذين يعملون فى بناء هذا الوطن بنفس القدر من الحماسة التى تصرخ بها فى وجوههم حينما يحدث خطأ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف