عبد الرحمن سعد
أيام نَحِسات وعلاجها التفاؤل
تحدث عنها القرآن الكريم، وأطلق عليها وصف "أيام نَحِسات"، مستمدة "نحسها" من سوء فعل القوم فيها، وهم هنا "عاد"، الذين "اسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟". فردَّ الله تعالى على تساؤلهم المستكبر، قائلا: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ؟". (فصلت:15).
ثم أعقبهم: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ". (فصلت:16)
والريح "الصرصر", ريح شديدة السَّموم عليهم، أو هي: الريح الباردة ذات الصوت، فإذا هبت بشدة, سُمع لها صرر، كما جاء في التفاسير.
"فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ"، متتابعات، أنـزل الله فيهن العذاب، ومشئومات، ومشائيم، على القوم، ونكدات، وذوات شر، وفق التفاسير.
وهذا إثبات من القرآن الكريم لأمر واقع، لكن ذلك لا يعني أبدا إباحة التشاؤم بالأشياء والأيام، فإنه حرام، قد أبطله الإسلام، لأنه وهمٌ لا حقيقة له.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا طِيَرَةَ". (البخاري ومسلم)، واعتبرها نوعا من الشرك ؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "الطِيَرةُ شركٌ".
قال الإمام القرطبي: "الطِّـيَرة: أن يسمع الإنسان قولاً، أو يرى أمراً، يخاف منه ألا يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله".
ومصدر "الطِّـيَرَة"- بكسر ففتح -: التشاؤم بأسماء الطيور، وأصواتها، وألوانها، وجهة مسيرها، وحركاتِها، ثم أُطلِق على كل ما يُتوهَّمُ أنه سببٌ في الضرر، والشُّرور.
و"التشاؤم" هو توهُّم الضرر والشرور ارتباطاً بجهةِ الشمال؛ إذ يذهب إليها، أو يأتي منها، أو يكون فيها كلُّ ما يُخافُ قدوم السوءِ منه، ثمّ أُطلق اللفظُ، وعُمِّمَ.
والأمر هكذا، قال - عليه الصلاة والسلام -: "إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك".
أما أعظم أسباب التشاؤم فلعلها ضعفَ التوكل على الله، وضعفَ الإيمان بالقدر. قال تعالى: "أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ".(الأعراف: 131)، فالخير والشرُّ كله بقدر الله، وإرادته.
أما "نَحَسَ ونحِسَ ونَحُسَ": فهو فعل: يَنحَس ويَنحُس، نَحْسًا ونُحُوسةً، فهو ناحِس ونحِس ونَحِيس، والمفعول مَنْحوس.. ونَحَسَ زَمِيلَهُ: جَفَاهُ، ونَحَسَ جَارَهُ: ضَرَّهُ وآذَاهُ، وعامٌ ناحس: مُجدِب، ونَحُسَ طَالِعُهُ: أَصَابَهُ النَّحْسُ.
ونَحُسَ الرَّجُلُ: أَصَابَهُ الضُّرُّ وَالشَّرُّ، وشقي بعد سعادة. ويوم نحس: لم يُصادَف فيه خير، وريح نَحْس: قاسية ذات غبار، وأَمر نَحْسٌ: مظلم. والنَّحْس: الجهْدُ والضُّرُّ والشؤم والشقاءٌ.
والسؤال الآن: هل الأيام "النحسات" عرضة للتكرار في التاريخ؟
الإجابة: نعم.. بالتأكيد.. قابلة للتكرار.. فأيام المعاصي والذنوب "نحسات"، والتقصير والتفريط وإضاعة الوقت والمال.. أمور نحسات، وضعف اليقين، وعدم التوكل، وسوء الظن بالله.. "أفعال نحسات".
وعلاج ذلك كله إنما يتحقق بالتوكل على الله تعالى، وحسن الظن والاستعانة به، والاستغفار، والتوبة، وسُنَّة التدافع، والأخذ بالأسباب، ومغالبة الأقدار، ومقاومة الظلم.. إلخ.
إن "النحس" إذا كان وصفا لأمر، لا يجيز التفكير به، أو توقعه، أو سوء الظن بالله، لأن الله تعالى يقول: "أنا عند ظن عبدي بي"، كما أن الجزاء من جنس العمل، ولا يصح التعامل مع "عدم التوفيق في بعض الأمور" على أنه نحس ملازم للإنسان، بل ينبغي له أن يتسلح بالتفاؤل، كل وقته.
وردت عن النبيّ - صلى الله وعليه وسلم - أحاديثُ تستحبّ الفألَ، وتحُضُّ على التفاؤل.
ومن ذلك ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل".. قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الحسنة".
وقال ابن تيمية: "الفأل: هو أن يفعل أمراً، أو يعزم عليه، متوكِّلاً على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسرُّه مثل: "يا نجيح"، "يا مفلح"، "يا سعيد"، "يا منصور"، ونحو ذلك".
لذا كان - صلى الله وعليه وسلم - يعجبه الفأل، ويكره الطيرة، بل كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع: "يا نجيح، يا راشد"، كما جاء في السير .
أما تفسير ذلك، فقال فيه القرطبي: "إنما كان يعجبه الفأل؛ لأنه تنشرح له النفس، وتستبشر بقضاء الحاجة، وبلوغ الأمل؛ فيحسن الظنَّ بالله - عز وجل -، وقد قال: "أنا عند ظن عبدي بي".