الأهرام
مجدى يوسف
ماذا نساوى دون مبدعينا؟
أصبحت الآن ظاهرة تعرض كبار مبدعينا للإهمال والإعراض عن حل مشكلاتهم الصحية والحياتية أمرا يبدو «طبيعيا « فى مجتمعنا ، بينما أنفق هؤلاء عمرا كاملا من الإبداع من أجل هذا الوطن، وهل يعلم البعض أن نجيب محفوظ نفسه، على غزارة إنتاجه، كان يجلس معنا على مقهى ريش في السبعينيات، ويطلب واحد قهوة سادة ، ونصف ليمونة ، ويشكو من الضرائب التي تلاحقه، بينما هو لا يكاد يغطى نفقات أسرته الصغيرة إلا بشق الأنفس ؟ وأننا نحن أصدقاءه كنا نخشى أن تصبح أسرته بلا عائل لو حدث له مكروه ؟ كان ذلك بالطبع قبل حصوله على جائزة نوبل في الأدب، وقبل أن تنهال عليه التكريمات العربية بعد حصوله على تلك الجائزة الغربية ؟ وهل يعقل أن يتهافت كبار الباحثين في مؤتمر عقد منذ بضع سنوات حول قضايا البحث العلمى، وحضره عدد من الوزراء آنذاك ، هل يعقل أن يتهافت الباحثون فيه على «كرتونة « الغذاء التي لا يتعدى ثمن الواحدة منها بضع جنيهات لأن مرتباتهم في مؤسسات البحث العلمى لا تكاد تغطى احتياجات أسرهم ؟ وهل يعقل أن يهمل كبار كتابنا من أمثال محمد جبريل ، وأحمد الشيخ ، والمبدع الكبير سعيد الكفراوى، هل يعقل أن يهمل هؤلاء وهم في العقد السابع من عمر كل منهم ، بينما كرسوا حياتهم ليقدموا لهذا الشعب أجمل أعمالهم الإبداعية فلا يجدون ما يعالجون به في شيخوختهم ؟ هل هذا من شيم هذا الشعب العريق الذى تعلمت منه الإنسانية كلها أن يصل به الحال إلى أن ينسى أو يتناسى في غمار صعوبات الحياة أنفس أبنائه الذين ضحوا من أجله.

لا شك أننا لا يمكن أن نتجاهل تراث الإنسانية لا سيما الحديث منها ، لكن على أن نضيف إليه ابتداء من اختلافنا الموضوعى عنه ، وليس فى ذلك افتئات عليه ، أو ادعاء بأننا أفضل أو أقل منه . إنما نحن ببساطة مختلفون ، وفى الوعى بهذا الاختلاف الموضوعى ما يمكننا من أن نضيف ونبدع في إيجاد حلول مختلفة عما أتى به الآخرون على أرضياتهم . هكذا يمكننا أن نشبع احتياجات شعوبنا على كل المستويات المادية ، والفكرية ، والفنية ، كما نثرى ثقافات الآخرين ، بل الثقافة العالمية بما نقدمه من تنوع ينقذها من أحادية التوجه الغربى الطاغى في جميع مجالات الحياة ، وفى مختلف التخصصات على حد سواء ، حتى بات من «يبشر» منا ليل نهار بالخضوع لمعايير الغرب في كافة التخصصات « كى نتخلص من تخلفنا « ؟ ولعجبى فهل نرضى بمحو شخصيتنا الحضارية بتميزها الجلى عن تلك الوافدة من الغرب ، هل نرضى أن نخلعها لنصير نسخا تابعة لريح الشمال الغربى بما فيها من عواصف؟

نحن لا نقول ، ولا يمكن أن نقول بصم آذاننا عن أي إنتاج متقدم في المسكونة ، لاسيما إذا كان معاصرا لنا ، لكن على أن نضيف إليه ابتداء من وعينا باختلافنا الموضوعى عنه اجتماعيا ، وثقافيا ، وفكريا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف