المساء
مؤمن الهباء
شهادة -الصحفيون.. لا يأس ولا تراجع
جميل أن تجد في حماس الشباب حرصا شديدا علي الوعي بقضية الصحافة وتحدياتها... وتجد لديهم في الوقت ذاته حرصا علي وحدة الصحفيين بصرف النظر عن مواقفهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية.. وبصرف النظر أيضا عن موقفهم من الأزمة التي تمر بها نقابتهم حاليا.. ظهر هذا واضحا جليا في المؤتمر الأخير للصحفيين بمبني نقابتهم يوم الأربعاء الماضي.
كان الحضور كثيفا.. لكنه كان أكثر هدوءا وعقلانية.. ربما لأنه لم تكن هناك استفزازات في أول النهار.. لم يكن المواطنون الشرفاء قد شرفوا بعد واحتلوا مداخل ومخارج شارع عبد الخالق ثروت الذي يقع فيه مبني النقابة.. وكانت الشرطة تكتفي بالمتاريس التي لا تسمح لأحد بالمرور إلا بعد أن يبرز كارنيه النقابة.. وهو الأمر الذي استحسنه معظم الصحفيين القاصدين نقابتهم.
بدأت وقائع الجلسة هادئة منظمة.. الكلمات أكثر عقلانية.. والهتافات لا تخرج عن التمسك بوحدة الموقف ووحدة الصفحيين في مواجهة المحاولات الالتفافية التي قام بها الشيوخ في لقاء "الأهرام".. ليس كل الشيوخ بالطبع.. فهناك شيوخ أبدوا روحا شبابية قوية في الالتزام بالموقف النقابي يستحق الاحترام والتقدير.. ومنهم علي سبيل المثال الصديق الاستاذ محمد فودة الذي كتب مقالا رائعا في "المساء" يطالب فيه الصحفيين بعدم المشاركة في أي اجتماع يعقد خارج نقابتهم.. وفي الوقت ذاته طالب المعارضين لموقف النقابة وانتفاضتها أن يعقدوا اجتماعاتهم داخل نقابتهم وليس في "الأهرام" ولا في وكالة أنباء الشرق الأوسط حرصا علي وحدة الصف وعدم الجري وراء فتنة الانشقاق والتفكك.
وفي اجتماع النقابة قرأت هذا الحرص علي كل الوجوه.. فدائما كانت نقابة الصحفيين تعبر عن موقف نقابي واحد ومتماسك في قضايا الحريات وفي القضايا النقابية.. حتي لو اختلف الصحفيون في توجهاتهم ما بين يمين ويسار.. وهم - بالمناسبة - مختلفون دائما.. وكذلك خلقهم الله وخلق الناس جميعا بعقول متباينة وأذواق مختلفة.. لكن عندما يتعلق الأمر بالمهنة والنقابة وكرامة الصحفيين هنا تذوب الفوارق ونصبح جميعا يدا واحدة.
وعندما علت بعض الأصوات المتحمسة. أو المدفوعة. تطالب بمحاسبة من شقوا الصف وخرجوا عن الاجماع الصحفي. تغلبت الأصوات العاقلة التي تدعو الجميع إلي الوحدة.. وإلي العودة للبيت الصحفي الواحد الذي يجب أن يتسع الجميع.. حتي ولو كانوا معارضين.. فوجود مائة أو مائتين من المختلفين في المنهج وفي الأسلوب لن يؤثر في موقف يتبناه آلاف الصحفيين.. وإذا كنا نطالب الدولة بتطبيق الديمقراطية واحترام الرأي الآخر فيجب أن نطبق ذلك علي أنفسنا أولا.. وتتسع صدورنا للمعارضين ولو كانوا شيوخا.
أعجبتني كلمات كثيرة ألقيت في هذا اللقاء ابتعدت عن الصدام وتبنت رؤية تؤكد اننا - كصحفيين - جزء من الدولة.. نحترم قانونها ودستورها.. ونقابتنا مؤسسة مستقلة من مؤسسات الدولة الرائدة في حماية الحريات.. ليست للصحفيين وحدهم وإنما لكل مواطن علي أرض مصر.. نحن لا نسعي إلي مواجهة ولا إلي تصعيد.. وإنما نسعي إلي الحل الذي يحفظ كرامة الصحفيين وكرامة نقابتهم.. ويضمن عدم تكرار الاقتحام الذي حدث لمبني النقابة لأول مرة في تاريخها.. وإذا حدث ذلك فلن يكون دليل ضعف من الدولة وإنما دليل قوة.. فالدولة القوية هي التي تحترم القانون وتلتزم به.. وتحرص علي أن تعمل حكومتها بقوة القانون وليس قانون القوة.
لقد جاء اجتماع الصحفيين الأربعاء الماضي أبلغ رد علي الذين راهنوا علي الانقسام والانشقاق في الصف الصحفي.. وعلي الذين راهنوا علي إحباط الصحفيين ويأسهم.. وعلي الذين راهنوا علي التراجع في الموقف والمطالب.. وعلي الذين راهنوا علي زرع الفتنة بين الصحفيين وإثارة النزعات.. وبدا واضحا أن الصحفيين أكثر نضجا ووعيا مما ظن هؤلاء.. فلا إحباط ولا يأس ولا تراجع.. المشوار طويل وصاحب الحق هو الذي سيكسب في النهاية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف