توليفة من الأعمال الفارقة فى دنيا السياسة ؛مثلت مجمل أعمال بارك أوباما فى آخر عهده بالبيت الأبيض؛ وإن كانت هى فى مجملها تعد بمثابة النتيجة لمجهود ثمانى سنوات كرئيس لأكبر دولة فى العالم. العلامات الفارقة تبدو واضحة فى ملفات التعامل مع الحرية الدينية وحقوق المرأة والفرص الاقتصادية والمسئولية المشتركة حيال السلاح النووي؛ وإصراره على الاستمرار بالجهود المُكثفة فى مراتٍ متكرّرة للوصول إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ وخاصة إن مسارات التطبيع بين عدد متزايد من الدول العربية وإسرائيل مفتوحة. بالطبع جهد الرئيس الأمريكى اصطدم كثيرا بتعنّت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. ولكنه تعامل معه بكل قوة وحزم؛ رغم أنه فى البداية حاول أوباما التعامل بمرونة الرؤساء السابقين مع إسرائيل. ولكنه وجد أن العثرة الدائمة هى نتنياهو فى حد ذاته؛ فعدل من أسلوبه لتحقيق ما يريده. وبينما نرى أن الحروب التى شنّها المحافظون الجُدد فى أفغانستان والعراق ساهمت فى إضعاف الولايات المتحدة وتدهور صورتها أمام بقية العالم. نجد أن أوباما لملم مؤخرا تلك الأخطاء.
وعندما شهدت الفترة بين عامى 2007 و2008 انفجار أزمة الرهن العقارى التى أفضت إلى أزمة مالية عالمية هى الأكبر على الإطلاق. وهدّدت تداعياتها بُنية الاقتصاد الدولى واقتصادات الدول فى أوروبا وأمريكا وآسيا حتى لاحت فى الأفق بوادر انهيارات كُبرى فى هذه الاقتصادات؛ نجد أن سياسات أوباما فى هذا المجال تجاوزت الازمة. وفيما يخص الاتفاق النووى بين إيران والقوى الغربية، نجد إنه شكّل انتصاراً ديبلوماسياً أنهى سنوات من العقوبات التى فرضت على إيران، وفتح أمامها فرصاً جديدة للانفتاح على العالم، بينما أعطى بالمقابل الدول الغربية مجالاً للاستثمار فى السوق الإيرانية.
وفى ملف كوريا الشمالية حاول أوباما إحداث خرق وتسويق انتصار دبلوماسى آخر، ولكن الثمرة هناك لم تنضج بعد. فأولويات التوجّه الاستراتيجى الأمريكى فى الشرق الأقصى مرتبطة بالحد من صعود الصين؛ وهذا بالتأكيد صعب المنال؛ ولكنه ليس مستحيلا.
وبعيداً من السياسة كان الاتفاق الذى وصل إليه مؤتمر فى باريس حول الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحرارى تاريخياً. وقد شكّلت الموافقتان الأمريكية والصينية على الاتفاق أهمية قصوى، كون الدولتين هما اللتين عارضتا لسنوات الصِيَغ المطروحة لخفض الانبعاث تحت ذريعة الحاجة إلى النمو..إن أوباما يخطو خطواته خارجا من البيت الأبيض؛ ولكنه يضع نصب عنيه وضع علامات فارقة كرئيس أمريكى وإن كان سيحمل لقبا سابقا على العديد من الملفات.