لا ينكر أحد ان الشعب المصري بعد ثورتين زادت طموحاته في ان يعيش حياة أفضل حلم باقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم قيمه الدينية وتواكب تطورات العصر وتقدر إنسانيته وحقوقه الطبيعية في سكن آدمي وعلاج مجاني وتعليم جيد وفرصة عمل تناسب مؤهلاته ووضع الرجل المناسب اعتمادا علي الكفاءة فقط مع القضاء علي الوساطة والمحسوبية وكروت التوصية وغيرها من الأحلام الوردية التي صاحبت أغلبية شعبنا الذي ظل يعاني الفساد والاستبداد لعقود طويلة وذاق مرارة التبعية للغرب الذي نهب ثرواته ومازال.
يبقي السؤال: هل حياتنا أصبحت أفضل؟ لا أحد ينكر ان ما فعله المصريون في ثورتي يناير ويونيه غير مجري التاريخ لكن ما يجري في القاهرة لا يجري بمعزل عن المتغيرات التي شهدها العالم شرقه وغربه وان قواعد اللعبة العالمية والتي تتحكم فيها أمريكا لم تتغير كثيرا وسؤال آخر: هل معني ذلك ان نستسلم شعبا ودولة ونرفع الراية البيضاء ونعلن قبولنا الدوران في فلك واشنطن واذنابها من جديد وتنفيذ اجندتها في العالم العربي أم أننا سوف نتعلم الدرس ونضع استراتيجية واضحة للخروج من تلك الدائرة. استراتيجية لا تعتمد علي التصريحات العنترية أو الآمال الوردية وإنما تدرك حجم المخاطر الداخلية والاقليمية والدولية التي تشهدها كل تلك الدوائر. كل منها علي حدة أو مجتمعة وتبقي حادثة الطائرة الروسية والأعمال الإرهابية في فرنسا وقضية الطالب الايطالي واسقاط طائرة مصر للطيران القادمة من فرنسا جزء من حرب عالمية ثالثة انطلقت خلال السنوات الأخيرة من بوابة الإرهاب.
بداية ساذج أو مخطيء من يتصور ان أمريكا يهمها اقامة ديمقراطية حقيقية في أي مكان في العالم بل تصدر ذلك ذريعة للتدخل في شئون مختلف الدول بادعاء انها حامية الديمقراطية والحرية فما يهم أمريكا ان تظل كل خيوط اللعبة في يدها وتحرك الجميع كعرائس "المارونيت" لتضمن استمرار تدفق الطاقة تحديدا النفظ الذي تملك أكبر احتياطي عالمي منه ويبلغ 200 ضعف احتياطي السعودية أكبر دولة منتجة له ثم السلاح وتجارته ويضاف لذلك هدف استراتيجي ثالث عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي وهو ضمان أمن وقوة الكيان الصهيوني "إسرائيل".
وواشنطن تدرك ان النفظ متوقع ان ينضب في السعودية ودول الخليج بحلول 2020 لذا لن يكون لها أهمية استراتيجية لذا بدأت منذ عقود التمهيد لنقل ثقلها المالي والاقتصادي والعسكري إلي جنوب شرق آسيا لمواجهة الخصمين الصاعدين الصين وروسيا مرة بالمواجهة ومرات بالتعاون أو العكس فيما يشبه تحريك قطع الشطرنج كما ان واشنطن حريصة علي اشعال الحروب في مختلف انحاء العالم من أجل تشغيل مصانع وشركات السلاح التي بلغ حجم مبيعاتها العام الماضي نحو 2 تريليون دولار وهو ما ينقذ الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من مصاعب عديدة تهدد بانهيار بأي وقت وهو ما جعل الاقتصاد الأمريكي الأقوي عالميا في .2015
وقد ادرك امراء الخليج تلك المتغيرات المتسارعة في العالم فمنحوا فرصة القيادة لجيل جديد قادر علي التفاعل والمواجهة خاصة في الإمارات والسعودية بدلا من قيادات تحكم بأساليب وتكتيكات قديمة كل ذلك ليس لنزاع عن السلطة كما يحاول ان يروج البعض وان وجد علي مستويات محدودة إلا انه لتفادي متفجرات وقنابل الشرق الأوسط الجديد الهادفة لتفتيت دول المنطقة لعدة دويلات حيث تسعي واشنطن إلي "لبلنة العالم العربي" أي تعميم النموذج اللبناني سواء عبر انظمة عميلة توافق علي التفتيت السلمي أو اشعال حروب اهلية طاحنة تنتهي إلي دولة طائفية بلا قدرة علي الحركة وتمارس الجري في المحل أو الدوران حول النفس دون أي خطوة نحو الاتجاه الصحيح أو التقسيم لعدة دويلات طائفية ايضا وهو ما يجدي الحديث عن تطبيقه الآن في العراق واصبح أحد أكثر الحلول المطروحة لانهاء الأزمة السورية وهو خطر لو تعلمون عظيم.
يبقي السؤال: أين مصر من كل ما يجري وما يحدث وهل النظام الجديد قادر علي مواجهة التحديات وفرض قواعد جديدة للعبة؟ فالغرب لن يتخلي عن الكنز الثمين "مصر" بسهولة أم ان النظام سوف يستكمل اللعب بنفس القواعد القديمة التي توارثتها الانظمة المصرية منذ عصر السادات والتي تتحكم أمريكا في أغلب خيوطها ونتخلي عن استقلال القرار الوطني وننعم في براثن التبعية ووفقا لمراكز ابحاث امريكية متخصصة فإن واشنطن لا يهمها الا من يحقق مصالحها في الاتجاه الذي تريده فقد تخلت عن مبارك رغم انه خادمها المخلص وسلموا الأمر لجماعة الإخوان التي قبلت ان تكون رأس حربة مشروع تفتيت العالم العربي وقدموا انفسهم علي انهم العميل الأفضل لواشنطن لتنفيذ ذلك المخطط ورغم رفض امريكا لثورة المصريين في 30 يونيو الا ان عددا من مراكز صنع القرار نصحت ومازالت بخطورة عدم التعامل مع النظام المصري أو ترك القاهرة تلعب خارج النفوذ الأمريكي مؤكدة ضروة استعادة الثقة مع القاهرة الا ان ما يجري بين الغرب ومصر خلال السنوات الأخيرة يشبه لعبة "تقليم الاظافر" أو قطع الاطراف لجعل القاهرة أمام خيار التبعية فقط وقطع الطريق أمام سعي الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظامه إلي اللعب مع واشنطن بقواعد جديدة تقوم علي استقلال القرار الوطني وتحقيق مصالح مشتركة بين البلدين ورفضه تحمل ميراث مبارك والبداية التي أغضبت أمريكا إلي حد الجنون تغيير السيسي لعبة الطاقة وتجارة السلاح في مصر والتي يستفيد منها واشنطن وعدد من المؤسسات والشخصيات الاخطبوطية حول العالم ونجح في فرض عقود ورؤية جديدة فانفتح علي مختلف دول العالم بداية من روسيا وفرنسا وصولا إلي ايطاليا والصين وألمانيا ودول افريقيا وظهرت القاهرة لأول مرة تمتلك أدوات تغيير اللعبة في المنطقة.