بكل أسف صارت الحوادث المأساوية المتتالية، التى لا تفصل بينها سوى ساعات أو أيام على أقصى تقدير، أمرًا معتادًا من أمور الحياة اليومية فى مصر. كوارث متعاقبة لا تسمح بالتقاط الأنفاس. فمن حوادث إجرامية يرتكبها إرهابيون مسلحون، إلى حرائق فى مناطق لا تفصلها سوى أمتار عن المقر المركزى لشرطة المطافئ.
اختطاف طائرات وسقوطها بالعبوات الناسفة أو من دونها، وتجاوزات مفزعة من ضباط وأمناء شرطة ضد مواطنين.
إيقاع ملتهب لحياة فقدت نضارتها من قسوة الغلاء، وتفشى الغباء، وارتباك القرارات، وعشوائية ردود الأفعال التى تتخذ طابعًا عدوانيًّا ضد المعارضة السلمية لم يسبق له مثيل فى تاريخنا الحديث.
ضابط يقتل شابة تحمل باقة ورود ويحصل على البراءة فى النقض، ومقدمو برامج كالمدعو أحمد موسى يحترفون تحريض الشرطة والبلطجية على قتل كل من يخرج سلميًّا ضد السلطة ولا يجدون مسؤولاً عاقلاً واحدًا يلومهم.
يحدث كل هذا فى ظل استقطاب حاد يدفع الجميع إلى تبادل الاتهامات بالخيانة بسهولة وبخفة تمثلت ذروتها فى تصريح محترف القفز من المراكب الغارقة وصاحب الأعمال السفلية الشيخ مصطفى بكرى الذى أبلغه (أسياده) عن الخيط الرفيع الذى يربط بين حادث حلوان الإرهابى وغضبة الصحفيين لاقتحام الأمن لنقابتهم.
لم يكن ينقصنى فى غمار كل تلك الخزعبلات الساخنة و(حمّام) السلام الإسرائيلى الدافئ سوى ذلك الاعتراف الذى أفلت عفوًا من وزير الطاقة بخصوص خروج توربينات توليد كهرباء السد العالى من الخدمة بسبب نقص تدفق الماء من بحيرة ناصر، ومقاطعة رئيس الجمهورية له بسرعة قائلاً: "بلاش دخول فى التفاصيل" ليعلو صوت عمرو دياب فى رأسى مكملاً "مابلاش نتكلم فى الماضى".
هذه العبارة كانت تكفى لإثارة فزع الكثيرين ولفت أنظارهم إلى بوادر المعاناة من أعراض نقص حصتنا المائية الناتجة عن بدء ملء خزان سد النهضة الإثيوبى. أعرف بالطبع أن مزاجنا المصرى يميل عادة إلى تبسيط الأمور، لاعتقاد أهلنا يقينًا أن مصر محروسة من الشدائد التى تمزق بلدانًا مجاورة. لهذا يحترف المصرى مقاومة أزماته بالتندر عليها.
ربما ليقينه بأن نجاته منها محسومة بأمر الله، وبركات أوليائه الصالحين. بعدها تذكرت صديقًا مغامرًا من عاشقى الصحراء كان يحكى لنا قديمًا عن كيفية الاستحمام بكوب واحد من الماء، وعن طريقته العجيبة فى شد قطعة من الشاش فوق وعاء معدنى صغير، لكى يرص فوقها بضع زلطات حتى تتكثف عليها أبخرة الفجر، وينزلق الندى على سطحها فيحصل بهذه الطريقة قبل سطوع الشمس على قليل من الماء الذى يترشح عبر الشاش ويتجمع فى الوعاء.
داهمنى الخوف فشطح عقلى فى أجواء الفانتازيا والخيالات الكوميدية كإجراء تلقائى يحدث لى عفويًّا للدفاع عن الذات لتخفيف الفزع، وتلطيف الأزمات. وسوس لى شيطانى بأن طالبًا عبقريًّا فى دبلوم زراعة لا شك فى أنه سيتوصل فى المستقبل القريب بعون الله إلى تطوير ماكينات التنظيف الجاف للملابس لكى يستخدمها البشر فى الاستحمام على الناشف. ساعتها ربما يستمع البعض إلى أصوات تصدر من الشقق المجاورة لهم فى الصباح الباكر عبر المناور: "إجرى يا ولد بسرعة وشوف أبوك اتأخر ليه وهو بيستحمى فى الدراى كليننج؟ مصيبة ليكون شاط عند المكوجى".
حقًّا إنها هموم تبعث على البكاء، ولكن ربما من الأفضل لنا أن تبعث على الضحك حتى نوفر قطرات الدموع.