التحرير
أحمد عبد التواب
مصر مُتَّهَمة في كل الأحوال!
فرنسا فى حرج بالغ بسبب تحطم الطائرة المصرية، بل هى فى الموقف الأكثر حرجاً! لأن مطارها هو المسئول فنياً وأمنياً عن مطابقة كل الطائرات للشروط والتدابير القياسية قبل المغادرة منه، ويدخل فى هذا احتمال لا يزال قائماً عن تمرير مادة متفجرة فى الطائرة المصرية.

وهى مسؤولية مفروضة وفق القوانين والأعراف السائدة، والتى بسببها واجهت مصر انتقادات هائلة بخصوص الطائرة الروسية التى غادرت من مطار شرم الشيخ ثم انفجرت فوق سيناء. ولم يقبل العالم من مصر أية أعذار، بل كان الهجوم مبالَغاً فيه بما تجاوز الواقعة المحددة إلى التعميم على الأداء المصرى والتشكيك فى الكفاءة بشكل عام، والاتهام بان هناك فساداً صغيراً فى أعمال المطارات المصرية يتسبب فى إيجاد ثغرات ينفذ منه الإرهابيون بأسلحة إلى الطائرات. بل وصل الأمر إلى تلفيق إحدى قنوات التليفزيون العالمية صورة قديمة لموظف فى مطار شرم الشيخ يُحصِّل من مسافر أجنبى رسوماً قانونية على خدمة خاصة بمقابل رسمى، ولكنهم يدسون الصورة تزويرا وعمداً فى سياق موضوع آخر قالوا إنه عن الفساد فى المطارات المصرية! وكتبوا تحت الصورة إنها لموظف مصرى يتلقى رشوة من مسافر أجنبى ليعفيه من التفتيش المفروض! وأضافوا بأن هذه من الثغرات التى ينفذ منها الإرهاب!

ولما اعترض المصور الذى التقط الصورة وكذَّب القناة فُصِل من عمله! وهذا من قناة يسبقها دائماً مدح عن سمعتها وخبرتها ونزاهتها!

وأما فرنسا، فيزيد من حرجها الآن إنها لا تستطيع أن تشكك فى كفاءة الطائرة المصرية ماركة إيرباص، لأن فرنسا هى أكبر دولة مشارِكة فى صناعة هذه الطائرة التى يُروَّج لها أنها أفضل من منافستها بوينج الأمريكية.

أى أن المسؤولية الفرنسية مضاعَفة، من ناحية أنها صاحبة المطار المسؤول عن الطائرة فنياً وأمنياً قبل مغادرتها، ومن الناحية الأخرى أنها صانعة الطائرة المنكوبة، التى لو كان فيها عيب فى التصنيع فتُسأل عنه فرنسا وشركاؤها فى صناعتها، وأن هذا التشكيك سوف يصبّ حتماً فى صالح المنافِسة العملاقة بوينج! وهذا بيزنس ضخم لا يستطيع مسؤول فرنسى أو أوروبى أن يتعامل بخفة فى أى شيئ يتصل به.

إذن، المفروض أن نخرج من هذه الزوايا الضيقة عن المسؤولية فى الحادثة الأخيرة، دون أن نقلل من وجوب التوصل إلى الحقيقة فيها وتعويض ذوى الضحايا تعويضاً يقلل من الكوارث التى ألمت بهم بعد فقد الأحباء.

وأما الموضوع الكبير الذى يلزم أن يتعاون فيه كل الأطراف على مستوى العالم، فهو الاعتراف بأن احتياطات الأمن فى المطارات مهما كانت متطورة فهى أعجز عن أن تمنع الإرهاب تماما. ذلك لان الإرهابيين أيضاً يتطورون إلى حدود لم يكن يمكن تخيلها قبل سنوات قليلة، وصار فى حوزتهم أسلحة متطورة لا يمكن أن يتحصلوا عليها إلا بأموال طائلة وبمساعدة أنظمة قوية فى العالم. إضافة إلى الأخبار التى تتسرب، أو يجرى تسريبها، والتى أصبح من الواجب عدم إهمالها كلية، عن التعاون بين هؤلاء الإرهابيين وبعض أنظمة الاستخبارات فى العالم على قواعد المنفعة المتبادَلة! وهى علاقات يصعب معرفة واستيعاب كل تفاصيلها!!

وعن أمن المطارات فى الدول المتقدمة، فقد أجرت وكالة الأمن الوطنى الأمريكية تجربة عملية لاختبار مدى كفاءة مطاراتها فى اكتشاف تهريب الأسلحة مع الركاب، وقد فشلت التدابير المعمول بها فى عشرات المطارات الأمريكية بنسبة 95 بالمئة! وتمكن العملاء الذين دربتهم الوكالة على إخفاء الأسلحة فى أمتعتهم أن يصعدوا بها إلى الطائرات! بعد أن عجزت تدابير الأمن فى هذه المطارات عن اكتشاف ما فى حوزتهم من ممنوعات!!

وقد نشرت نتائج هذه التجربة بعض الصحف الأمريكية فى يونيو من العام الماضى!

وفى فرنسا نفسها، حدث شيئ مشابه قبل عامين، وفى نفس اليوم الذى أعلنت فيه السلطات الفرنسية أنها عززت من استحكامات الأمن فى المطارات لمواجهة الإرهاب، فقد تمكن رجل أمن لا يحمل تذكرة سفر من عبور عشرات نقاط التفتيش فى مطار شارل ديجول حتى وصل إلى الطائرة، ليثبت لأجهزة الأمن الفرنسية أنهم لم يسدوا الثغرات كما يشيعون!!

الموضوع أخطر بكثير وأعقد بكثير من المساحة الصغيرة التى يتحرك فيها البعض، والتى تسعى قناة "الجزيرة" إلى الزج بالجميع فيها، بالإصرار الساذج على أن الإرهاب فى الأصل موجه إلى مصر، بتفسير واحد يردده كالببغوات مذيعو الجزيرة وضيوفهم المختارون، وهو أن ما يسمونه الانقلاب فى مصر اكتسب أعداء كثيرين ليس أمامهم إلا العمل على إيذاء نظام الانقلاب، ويبررون لهؤلاء أن يمارسوا الإرهاب ضد نظام الانقلاب، وأن هذا هو ما صار يهدد الكثير من دول العالم التى تستمر فى التعامل مع الانقلاب! ومن ثم، صار على هذه الدول أن تأخذ موقفاً حاسماً ضد الانقلاب حتى تحمى نفسها ومواطنيها من العمليات الإرهابية!!

فكرة ساذجة يتصور أصحابُها أنهم يمكن أن يخدعوا بها قادة العالم وأجهزة الاستخبارات الكونية، حتى مع إغفال تفسير أسباب وأهداف العمليات الإرهابية الداخلية فى هذه الدول من مواطنيها، لأسباب مختلفة ولأغراض مختلفة قد لا تمت أحياناً لمصر بصلة لا من قريب ولا من بعيد!

مثلاً، ما علاقة مصر بالعدوان الإرهابى على رسامى الكاريكاتير الفرنسيين فى "شارل إبدو"، والذى قام به مواطنون فرنسيون؟ وما علاقة مصر بالتفجير الإرهابى على ركاب مترو لندن، الذى قام به إرهابيون يحملون الجنسية البريطانية؟

طيب، وبرجا التجارة فى نيو يورك، قبل أن يصل إلى حكم مصر هذا الانقلاب الذى يُذهِب النوم من عيون "الجزيرة"؟

المطلب الرومانسى هو أن يتعاون العالم كله بشكل جاد، بالبدء بالمكاشفة عن حقائق الرعاية التى يتلقاها بعض الإرهابيين من بعض النظم، لكى يكونوا عوناً لها فى خصومات مع دول أخرى! وبهذا يشتد ساعد الإرهابيين ويصبح فى إمكانهم أن يقوموا بعملياتهم الخاصة التى قد تضرب فى الدول الراعية لهم! وهكذا تستمر الدائرة الجهنمية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف