الوفد
سناء السعيد
بدون رتوش هل باتت فى مرمى التقسيم..؟
تزامنًا مع مرور مائة عام على اتفاقية �سايكس بيكو� 1916 التى تمت بموجبها واقعة التقسيم الأولى للمنطقة العربية، تثور المخاوف اليوم من أن تكون المنطقة على مرمى واقعة تقسيم جديدة فى ظل ما يسودها من موجات إرهاب وأحداث صاخبة وحملات الهدم والصراعات، ما زاد المخاوف من أن تكون المنطقة باتت على مشارف موجة تقسيم أخرى يتم فيها تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ استكمالًا للمخطط الاستعمارى فى المنطقة، ضمانًا لحماية المصالح الأمريكية وحماية أمن إسرائيل، خاصةً إذا أخذنا فى الاعتبار أن موجة التقسيم الأولى قد انعكست بالإيجاب على الكيان الصهيونى عندما تزامنت مع وعد بلفور 1917 ليتم إعلان دولة إسرائيل فى 1948. وهو ما يؤكد أن مشروع سايكس بيكو قد ارتبط بمشروع اقامة الكيان الصهيونى، أى أن إسرائيل لم تنشأ من فراغ، وإنما جاءت وفق مخطط رسمه الغرب للإطاحة بالدول العربية وبناء كيان صهيونى فى المنطقة يكون أداة لخدمة أهدافه.
ولهذا، فإن إسرائيل لن تكون غائبة عن مشروع التقسيم القادم لدول المنطقة، والذى تشى كل المؤشرات بأنه يتم التجهيز له الآن كى يدخل حيز التنفيذ، وأن إسرائيل تراهن على تحقيقه لتكون لها السيطرة على المنطقة بعد أن باتت كياناتها مقسمة على أساس عرقى إثنى طائفى، هذا فضلًا عن أن مشروع التقسيم سيساعد إسرائيل على الخروج من حدود الدولة الصغرى والانطلاق نحو أراضٍ أخرى لتصبح دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من الفرات إلى النيل. وهو ما يمنحها الهيمنة على كل المحيط العربى حولها بعد أن تفككت أوصاله من جراء تقسيم دوله وتجزئتها.
رغبة تنفيذ تقسيم المنطقة راودت أمريكا منذ غزو العراق فى 2003، إذ بادرت بترسيخ جرثومة الطائفية المذهبية لتكون أداة هدم للدولة العراقية؛ نظرًا لما تمثله من خطر إستراتيجى يهدد أمن إسرائيل. ومن ثم كانت العراق نقطة البداية التى انطلقت منها لإقامة ما سمته بالشرق الأوسط الكبير الذى يرتكز على إعادة تقسيم دول المنطقة، أى أن غزو العراق كان البداية لتنفيذ الأجندة الصهيوأمريكية. وهو أمر لم تخفه أمريكا، بل جاهرت به عندما أعلن� كولن باول� وزير خارجيتها وقتئذٍ (بأن أمريكا دخلت العراق لتكون منطلقًا نحو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بصورة تعزز مصالح أمريكا وحلفائها). ومن ثمَّ جرى ترسيخ الطائفية بين السنة والشيعة مع إطلاق الصراع العرقى العربى الكردى ليتم بعد ذلك الانتقال إلى سوريا واجتياحها بفلول داعش والنصرة والقاعدة لفرض واقع تقسيمى جديد، وهو ما شجع الأكراد فى العراق وسوريا على الحديث عن الفيدرالية، وشجع نتنياهو على أن يؤكد أن الجولان ستظل لإسرائيل للأبد.
الغريب أن نرى فتورًا عربيًّا حيال ما يحدث. غيَّب العرب الحق وغدوا أشبه ما يكونون بشيطان أخرس، أما إسرائيل فبدت أمامهم وكأنها ليست عدوًا رغم ضلوعها فى كل المؤامرات التى تحاك بحرفية لتمزيق وحدة الصرح الذى كان يسمى بالأمة العربية. وها نحن اليوم أمام وجبة تقسيم مسمومة أخرى تطل برأسها من جديد بعد أن ظهرت ثورات الربيع على حقيقتها، معارك شيطانية يتم من خلالها تدمير الدول العربية بواسطة الإرهاب الذى صنعته أمريكا ليكون ذريعتها فى هدم المنطقة ووضع نهاية لمفهوم الأمة العربية الموحدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف