صباح الخير
ماجد رشدى
الكنيسة تنتصر للقانون
رغم أن الأزمة التى اشتعلت مؤخرا بين الكنيسة ومجموعة من رهبان دير الأنبا مكاريوس السكندرى، أو ما يعرف بالدير المنحوت بوادى الريان بالفيوم لها خلفيات عديدة أبرزها أن الكنيسة نفسها لم تعترف بقانونية الدير هناك الذى استقطب عدداً من الراغبين فى دخول حياة الرهبنة دون الالتزام بالشروط الكنسية المتبعة.


فإن الأزمة اندلعت بعد أن قررت الدولة إنشاء طريق يقطع الأرض التى وضع بعض الرهبان أيديهم عليها وأقاموا سورا حولها فى الوقت الذى حدثت فيه أيضا صدامات بين الرهبان وأهالى المنطقة الذين كانوا يطالبون باسترداد الأرض لأنها محمية طبيعية.. وكان مبرر الأهالى أن منطقة العيون السحرية بمحمية وادى الريان يأتى إليها السائحون وبها أنواع من الغزلان والحيوانات الصحراوية المهددة بالانقراض ورهبان الدير استغلوا الانفلات الأمنى بعد ثورة 25 يناير وحصلوا على الأرض واستغلوا عيون المياه الجوفية الأربع ثم توسعوا شيئا فشيئا وأحاطوا الدير بسور على مساحة 11 كيلومترا وقاموا بردم العيون وتحويلها إلى أحواض لاستزراع الأسماك، مما أهدر الحياة الطبيعية بالمحمية وأخل بتوازنها وأغلقت خط السياحة الصحراوية البيئية بها، ما أدى إلى هجرة الغزال الأبيض لندرة المياه.
وحدثت أكثر من مرة مشادات واشتباكات بين رهبان الدير وأهالى عرب وادى الريان، ووصل الأمر إلى حد استخدام الأسلحة النارية والطوب والحجارة.. وانضم إلى الأهالى فى شكواهم عدد كبير من النشطاء البيئيين الذين عبروا عن استيائهم، وقاموا بتنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية لأن منطقة العيون السحرية تعتبر الملجأ الوحيد للحياة البرية فى هذه المنطقة بما فيها الأنواع المنقرضة مثل الغزال الأبيض والغزال المصرى، وهذه الوقفات جاءت اعتراضا على مجىء رهبان من اسكندرية وادعائهم أن لهم الحق فى أخذ مساحة من أرض المحمية.
• بلاغ وشكاوى
لم يتوقف الأمر عند الصدام بين الرهبان والدولة من ناحية وبينهم وبين الأهالى من ناحية أخرى، وإنما امتدت الأزمة الى ما هو أبعد من ذلك بعد أن قام أحد النشطاء فى مجال الدفاع عن الحريات والثقافة بتقديم بلاغ للنائب العام ضد الكنيسة الأرثوذكسية اتهم فيه كلاً من الأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة المصرية والراهب باخوميوس الريان ورهبان الدير بالاستيلاء على أراض مملوكة للدولة وحذر بإجراءات تصعيدية فى حال عدم عودة تلك الأراضى لحيازة الدولة مرة أخرى.
كما قام عدد من الأهالى برفع مذكرات شكوى إلى المسئولين جاء فيها ضرورة إنقاذ المحمية الطبيعية من التعدى بإقامة المنشآت وإتلاف النباتات النادرة داخل المحمية الطبيعية وإقامة إنشاءات عشوائية بالمخالفة لقوانين البيئة والمحميات الطبيعية باستخدام البلوك الأبيض ونقله من محافظتى المنيا وسوهاج عن طريق سيارات نقل كبيرة بالمخالفة لقرار محافظ الفيوم الخاص بحظر نقل البلوك الأبيض واستخدامه فى البناء بدون ترخيص.
• تبرير
أما رهبان الدير المنحوت فأكدوا أن موقفهم سليم بعلم جهاز شئون البيئة وإبرام اتفاق فى عام 2007 ينص على التزام الرهبان بما هو موجود وعدم التعدى على أرض وبيئة المحمية ويقضى بإقامة 40 كهفا للتعبد وممارسة الشعائر الدينية. مؤكدين أن السور تم بناؤه لحماية الرهبان الذين يبلغ عددهم حوالى 240 راهبا نزحوا من كل المحافظات إلى الدير وأن السور يحميهم من تعدى البلطجية عليهم والعرب المقيمين بالصحراء وحماية ممتلكات الدير من السرقة والنهب.. وصرح أحد الرهبان أنهم أخذوا تصريحاً من الحكومة لجعل المكان مؤهلا لسكن الآباء من الرهبان واستخدامه للحياة الرهبانية إلا أن الأهالى قاموا بالاعتداء عليهم وإطلاق القنابل المسيلة للدموع والغازات والطوب وتحرير محاضر المخالفة ضدهم رغم أن هذه المساحة لا يسكنها ساكن واحد وهم يعملون من أجل إحياء التراث الدينى القبطى ولديهم معاهدات واتفاقيات مع وزارة البيئة ولا توجد الحيوانات التى يتكلم عنها أهالى المنطقة.
• قرار الكنيسة
وعلى الفور تدخلت الكنيسة لتنهى الأزمة وتنتصر للقانون بعيدا عن أى مجاملات منها أو تحيز، وأصدرت بيانا جاء فيه أنها لا تعرف الدير وأن الأرض المنشأ عليها ليست مملوكة قانونيا لمن أعلنوا إنشاءه، وأعلنت أنها تخلى مسئوليتها، وأن للدولة الحق القانونى فى التصرف مع هذا الموضوع مع مراعاة الحفاظ على الطبيعة الأثرية والمقدسات، والمغائر والحياة البرية فى هذه المنطقة.. وأضاف البيان، أن المجمع المقدس يرفض بشدة التصرفات غير اللائقة والمتطرفة لبعض الرهبان غير الخاضعين لقوانين الرهبنة والدير غير مسئول عن أى بيانات أو تصريحات تصدر ضد الكنيسة ورئاستها من خلال وسائل الإعلام.. وتابع: نرجو من شعب الكنيسة ألا ينقاد وراء أى تصرف أو رأى شخص ما يريد أن يصنع فتنة وانقساما بين الكنيسة وأولادها.. وانقسم الرهبان هناك بين من رفض قرار الكنيسة وبين من قرر الالتزام به لدرجة وقوع مشاجرات بينهم تسببت فى إصابة بعضهم ونقله للمستشفى.
إلا أن غالبية طالبى الرهبنة هناك وهو الوصف الأدق لهم من وصف رهبان، أصدروا بيانا أعلنوا فيه خضوعهم لقرار الكنيسة وجاء فيه: نعلن الخضوع لقرارات كنيستنا القبطية ونؤكد أن هذه القرارات ليست ضد فئة الرهبان الذين يحيون حياة الطاعة والرهبنة والفقر الاختيارى، ونؤكد أن الكنيسة لم ولن تتخلى عنا ولن تستطيع قوة أن تنال من وحدة الكنيسة.
وقدموا الشكر لرئاسة الكنيسة على اهتمامها بحل مشاكل الدير، معربين عن ثقتهم فى حكمتها.. وأقامت الكنيسة مؤتمرا صحفيا شرحت فيه أنها لا يمكن أن تعترف بدير مقام على أرض بدون سند قانونى لأنها جزء من الوطن الذى يريد أن يعلى قيمة القانون وأن الآثار القبطية هناك تقع بالكامل تحت إشراف وزارة الثقافة المعنية بحمايتها والحفاظ عليها.
وهكذا تؤكد الكنيسة المصرية من جديد انتصارها للقانون فى موقف رائع مثل مواقفها الوطنية الكثيرة السابقة لتعطى نموذجا لما يجب أن تكون عليه كل مؤسسات الدولة فى إعلاء القانون وأنه لا أحد فوقه مهما كان. •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف