الأهرام
أشرف محمود
الربيع ونشرة الهموم العربية!
بينما كان شريط الأخبار يمر عبر الشاشة يخبرنا بدرجات الحرارة المتوقعة بداية فصل الربيع، وكيف أنها ستراوح الصعود والهبوط خلال اليوم الواحد، وبالتالي طيلة الأسبوع ما بين الحرارة الشديدة نهاراً والاعتدال ليلاً، كان قارئ الأخبار في ذات اللحظة، يقدم عناوين النشرة التي سيقرؤها علي مسامع متابعيه مصحوبة بصور فيلمية لما يجري في ساحتنا العربية، ودارت العناوين حول ما تتعرض له حلب من تدمير، واقتحام أنصار الصدر لمقر البرلمان العراقي، ورفض وفد الحكومة اليمنية الجلوس مع وفد الحوثيين في مفاوضات الكويت، ومقتل 16 مصريا في بني وليد الليبية.

وتوقفت أمام مأساة حلب الشهباء التي شرفت بزيارتها مرات عدة، كانت مدينة تجارية بامتياز إلي جانب كونها مدينة تاريخية وفيها قلاع أثرية، لكن الصور التي رأيتها أحالت الأخضر فيها إلي يابس، ومن قبله شردت أهلها الأبرياء، ولا أحد يعرف علي وجه اليقين من هو المعتدي الذي انتهك هدنة وقف النار، أهو النظام أم الجماعات التي ابتليت بها سوريا من داعش ونصرة وغيرها من ذات الأسماء الرنانة التي ليس لأصحابها فيها من نصيب، وكالعادة لم يتضمن الخبر الذي تلاه المذيع إلا الإدانة وصب اللعنة علي رأس النظام، وكأنه وحده الذي يلعب علي الساحة، أو كأنه وحده الذي يسيطر علي مساحات في حلب، وتناسي هؤلاء أن حلب بقيت كالثوب الممزق بعدما تكالب عليها الجميع وانتزع كل واحد منهم قطعة من أرضها فرض سيطرته عليها، ولم أجد من كلمات إلا «لك الله ياحلب»، بل «لك الله ياسوريا»، فليس للأزمة هناك الا الله ليكشف الغمة، ويعيد البسمة علي شفاه الابرياء.

وجاء الخبر الثاني عن مفاوضات السلام بين أطراف الصراع في اليمن الذي كان يحمل اسم السعيد عبر قرون فأحاله المتصارعون إلي تعيس، فبعدما ظننا أن الأمر قاب قوسين أو أدني من الحسم لمصلحة الحكومة المدعومة دوليا وعربيا وخليجيا، إلا أن الواقع أكد أن الصراع لايزال مستمرا، وأن السيطرة لاتزال غير مكتملة، ولا يبدو في الأفق لها اكتمال، فما كان من المجتمع الدولي إلا أن دعا لاجتماع الفرقاء في الكويت للتوصل إلي حل سلمي، لكن المفاجآت لم تغب عن الاجتماع، فوفد الحكومة برئاسة عبدالملك المخلافي رفض الاجتماع المباشر مع وفد الحوثيين وصالح إلا بعد تقديمهم ضمانات بتثبيت وقف اطلاق النار وتسليم السلاح والخروج من المعسكرات وإطلاق سراح المعتقلين، ما يعني أن الأمر سيطول، وأن المبعوث الأممي إلي جانب سفراء الدول الـ 18 المساهمة في حل الأزمة عليهم أن يدخلوا في مفاوضات مع الحوثيين، الذين لن يقبلوا بما طالبت به الحكومة لندخل دائرة مفرغة ندور فيها، وتستمر معها الأزمة الي مالا يعرف له نهاية إلا الله.

ثم كانت ثالثة الأثافي ما شهدته المنطقة الخضراء في بغداد من احتجاجات قادها أتباع مقتدي الصدر بهدف الضغط علي البرلمان للموافقة علي حكومة مستقلين من التكنوقراط، وإخراج إيران من المشهد السياسي العراقي، وهو ما قوبل باحتجاجات من الأحزاب العراقية، خصوصا بعد اقتحام أنصار الصدر للبرلمان، وما تزامن من إعلان طهران دعمها للعبادي، ما القي الزيت علي النار لتستعر بين الفرقاء السياسيين في العراق، وبالتالي باتت الأزمة مرشحة للتضخم وتنذر بما لاتحمد عقباه، لتستمر أزمة العراق بلا حل رغم مرور عقد من الزمان علي الربيع المنتظر الذي بشر به العراقيون من قبل الإدارة الأمريكية، وفي ليبيا لم يكن الحال أفضل من سابقيه ،فمنذ رحيل نظام القذافي والبلد تحول إلي بليدات، وغردت الجماعات الإرهابية براحتها في أرجائه، وغاب الامن وانتشر الدمار، ورغم ذلك لاتزال الحكومة تنتظر الثقة من البرلمان والجيش الليبي ينتظر الموافقة علي تسليحه وإيقاف قرار حظر بيع الأسلحة له، كما ينتظر الشعب الليبي الدعم من الدول التي تطالب بطائراتها علي جعله جثة هامدة ،وأغرقته في حر المشكلات دون مساعدته في الحل، وها هي جماعات الإرهاب تعيث في الأرض فسادا، فتقتل وتسلب وتدمر، وكانت آخر حوادثهم قتل 16 مواطنا مصريا في بني وليد، وهكذا تحولت ليبيا الغنية بثرواتها الطبيعية ومساحتها الجغرافية، إلي ساحة اقتتال لا أحد يعرف متي يمكن أن تنتهي، وإلي متي سيظل الصمت الدولي تجاه مايحدث فيها.

وشردت بذهني قليلا، وأنا أتابع نشرة الهموم العربية، وتساءلت: أما لهذه المآسي التي تدور في وطننا العربي من نهاية؟ وهل مع كل هذه الأخبار التي تجلب الهم للقلب، وتسكن النفس بالأسي، يمكن أن نسمي ماجري في عالمنا العربي منذ 2011 ربيعا؟ وإذا كان مايجري هو نتاج الربيع، فماذا كان الحال لو أنه نتاج الخريف؟ ووجدتني أسجد لله شاكرا أن حفظ مصرنا من السقوط في وحل الربيع الذي حدد درجة حرارته أعداء الأمة، وأخرجها جيشها ـ الذي حباها الله بكونه من خير أجناد الأرض ـ من النفق المظلم، الذي لا أحد غير الله وحده يعرف المصير الذي كنا سنصل إليه لو أن نسمات ربيعهم هبت علي بلادنا، واستطردنا في الدعاء إلي الله أن يحفظ أمتنا العربية، ويقيلها من عثرتها، ويهدي شعوبها، ويصلح حكامها لما فيه خير البلاد والعباد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف