عزة بدر
تاريخ طويل ونضال لا ينتهى من أجل فقه جديد للمرأة
هل هو التحرر المتحفظ الذى سيدفع بالإنتاج المعرفى والفكرى للمرأة المصرية إلى مصاف الريادة والتغيير ؟.. أم هو التحرر الفكرى الكامل الذى يطلق أجنحتها لتحلق فى فضاء التغيير والإسهام فى الحراك الثقافى والسياسى والاجتماعى فى مصر ؟.. أسئلة عديدة مطروحة بعد ثورتين مجيدتين، ثورة 25 يناير 2011.. وثورة 30 يونيو 2013.
لكن السؤال المهم: كيف يكون التغيير إلى الأفضل؟ وكيف يتم تجديد الخطاب الثقافى والدينى وبأى الطرق والوسائل؟ وإلى أى مدى استطاعت المرأة المصرية أن تقدم رؤيتها الفكرية لأحوالها الاجتماعية والشخصية فى سياق مجتمع ثورى يتغير ويموج بحراك ثقافى وسياسى لافت.
• مرآة فى تأمل الأمور
قد تكون هذه الأسئلة نفسها هى الطريق المفروش بالشوك والمصاعب الذى لابد أن تسير فيه (النساء شقائق الرجال) على قدم المساواة للنهوض بالمجتمع.. رحلة الأسئلة قد تقدم إجابات وربما تطرح المزيد من الأسئلة وكل هذا من وجهة نظرى ظاهرة صحية، تثمر بعد حين لو تضافرت الجهود لوضع نتاج المرأة المعرفى والفكرى فى سياقه للنهوض بالمجتمع.
لم تألُ المرأة المصرية جهدا فى تقديم إسهامها الفكرى نحو الأفضل، خاصة فيما يتعلق بأوضاعها وأحوالها الشخصية وتقييم نظرة المجتمع إليها، وكذلك تحليل وضعها فى الشرائع السماوية، والقوانين البشرية، ويعد كتاب عائشة التيمورية الصادر عام 1892 (مرآة فى تأمل الأمور) هو أول كتاب يؤسس لإنتاج المرأة الفكرى ورؤيتها نحو التغيير، قدمت عائشة التيمورية فى كتابها أهم المشكلات التى عانت منها المرأة المصرية بشكل عام والمرأة المسلمة بشكل خاص، وكان هذا فى عمل أدبى اجتماعى متميز، حاولت فيه تفسير بعض الآيات القرآنية التى تستخدم بشكل متحيز من جانب المجتمع وتحديدا فيما يخص قضيتى القوامة وتعدد الزوجات.
وقد قام بالرد عليها فى ذلك الحين الشيخ (عبدالله الفيومى) فى مجموعة مقالات نشرت بجريدة (النيل) ثم جمعت فى كتاب بعنوان (لسان الجمهور على مرآة التأمل فى الأمور) ليقدم نقداته لأفكارها التى كانت بالطبع متحررة فى ذلك الوقت.. واليوم بعد مرور قرن وما يقرب من ربع قرن نستقبل محاولات جديدة للمرأة المصرية فى إنتاج فقه جديد، ورؤية مغايرة للمتعارف عليه من تفسيرات لوضع المرأة فى النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والاجتهادات الفقهية.
وقد صدر كتاب جديد لفتاة مصرية دارسة تناقش بجرأة بعض الاجتهادات الفكرية والدينية للمرأة المصرية، الكتاب للدكتورة سوسن الشريف وهو بعنوان: (الحركة النسوية الإسلامية فى مصر وعلاقتها بالآراء الفقهية - رؤية تحليلية نقدية) لتقدم مرآة جديدة للتأمل فى الأمور، فى كتابها الصادر فى فبراير 2015 فتقدم رؤية للحركات النسوية المصرية ومنها النسوية الإسلامية وهى الموضوع الرئيسى لهذا الكتاب.
• التحرر المتحفظ
ومن قراءتى للكتاب أرى أن المحاولات الجديدة للمرأة المصرية الباحثة فى الشئون الدينية قد التقطت نفس الفكرة التى تناولتها عائشة التيمورية فهى أول امرأة أدركت ما وقع على المرأة من ظلم وحرمان من الحقوق، وكان يحدث ذلك تحت مسمى الإسلام، ولكن ما يحدث فى حقيقة الأمر وما حدث ولا يزال هو إهدار لحقوق المرأة بفعل العادات الثقافية والاجتماعية ويبعد كل البعد عن الإسلام، وهو الأمر الذى تؤكده دراسات الباحثات المصريات، وتقول الشريف: إن الحركة النسوية الإسلامية ظهرت فى القرن التاسع عشر، وبدأت مؤخرا تشهد نشاطا ملموسا على المستوى الأكاديمى، وتسعى إلى أهداف يتقدمها تأصيل فكرة المساواة بين الرجل والمرأة من خلال إعادة قراءة التراث الدينى الإسلامى بغرض تقديم قراءات وتفسيرات جديدة لبعض المسائل المتعلقة بالمرأة.. وبالتالى تقديم فقه جديد فى ضوء تحديات الواقع الاجتماعى الحالى أمام المرأة فى مصر.. والكتابات النسوية الإسلامية - كما تقول الباحثة - كان الهدف منها فى البداية هو الرد على الأصوات التى لا تعرف بالقدر الكافى عن أوضاع المرأة المسلمة، وما تتمتع به النساء من حقوق جارت عليها الموروثات الاجتماعية والثقافية حتى طغى السياق الثقافى والاجتماعى بأفكاره وتقاليده على الحقائق الدينية، وقد بدأت هذه الكتابات النسوية الإسلامية باللغة الإنجليزية، وكانت مارجو بدران أول من تحدث عنها فقدمت فى كتابها: (رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن) الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة- المشروع القومى للترجمة 2001- صورة تاريخية عن الحركة النسوية فى مصر، ورائداتها، وعرضت لأول حركة نسوية منظمة التى قادتها هدى شعراوى مؤسسة ورئيسة الاتحاد النسائى المصرى العام، وترى بدران: «أن النسوية الإسلامية نوع من أنواع الإنتاج المعرفى للمرأة»، كما ترى أن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها بشكل متكامل، ولكنه فى حاجة إلى مزيد من الجهود الجادة للبحث فى النصوص لاستخراج وبلورة هذه الحقوق.
وتذهب الشريف إلى القول إن الاعتراض على التراث الفقهى بما لا يمس العقيدة هو منهج الباحثات البارزات فى الحركة النسوية الإسلامية ومنهن أميمة أبوبكر رائدة الاتجاه النسوى الإسلامى فى مصر، حيث تدعو إلى دراسة التراث الدينى، وأمانى صالح التى اهتمت بالحقوق والواجبات الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة، كما تتناول قضية المساواة بين الرجل والمرأة فى القرآن والسنة، كما ركزت بعض الباحثات اللواتى يمثلن الحركة النسوية الإسلامية مثل زينب أبوالمجد على خطاب أسباب نزول الآيات القرآنية والأحكام الفقهية التى ترتبت عليها مع التركيز على الفقه الشافعى وتطوره كنموذج فيما يتعلق بأحكام النساء، أما هند مصطفى فهى تهتم بمناقشة مفهوم «الزوجية» لاشتماله على صرح من التوجيهات والأحكام القرآنية التى تتبنى فى تكوينها ومقاصدها الإحاطة بالجوانب المعنوية المختلفة للنفس البشرية، وترى الشريف: «أن أهم ما تقدمه الحركة النسوية الإسلامية فى مصر هو مواجهة تيار الإسلام السياسى الذى يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية تحت شعار الدين ويقوم بإنتاج أفكار متطرفة وخاطئة ينسبها إلى الشريعة الإسلامية وهو فى كل الحالات يسىء إليها»، وترى الشريف أن (التحرر المتحفظ) هو منهج الحركة النسوية الإسلامية، حيث المناداة بأفكار التحرر والمساواة، ولكن بشكل متحفظ ملتزم بتعاليم الشريعة الإسلامية بقدر كبير، وعلى سبيل المثال فهن ينادين بتطبيق منع تعدد الزوجات على غرار تونس، ولكن يعدلن الفكرة، فيطالبن بتقييده بدلا من منعه، فهن يتحركن فى الجانب الآمن من الشريعة وهو الآراء الفقهية التى يمكن مراجعتها ولم يحاولن انتهاج منهج (القرآنيين) و(القرآنيات) الذين رفضوا الأحاديث النبوية وشككوا فيها مثل رفعت حسن التى ناقشت مصادر التراث الإسلامى، وتشير إلى تعددية هذه المصادر وترى التناقض بين بعضها البعض، بل تناقش الإشكاليات المرتبطة بها مثل صحة بعض الأحاديث النبوية، بل صحة تراث الحديث كله، ومن هنا ترى الشريف أن المنهج الذى تتبعه الحركة النسوية الإسلامية فى مصر هو أكثر المناهج اعتدالا فهن يعملن بجهد لحصول المرأة على حقوقها.
• الحور العين ورغبات الرجل!
وترى الباحثة أن هناك اختلافا جذريا فى بعض الأحيان بين الأفكار المتداولة فى أوساط الحركة النسوية على مستوى الوطن العربى والغربى، فالنسويات المقيمات فى دول غربية مثل أمريكا وفى دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا يختلف تناولهن للموضوع عن النسويات فى البلدان العربية مثل: لبنان وتونس والمغرب، حيث تتحرر النسويات المقيمات فى دول غربية وفى دول جنوب شرق آسيا من أمور خاصة بالعقيدة مثل عدم الاعتداد بالأحاديث النبوية، بل يرى بعضهن أن بعض الآيات القرآنية مرتبطة فقط بالسياق الذى نزلت فيه والزمان الذى نزلت فيه، أى فى شبه الجزيرة العربية فى القرن السابع، كما ترى أمينة ودود -وهى من رائدات النسوية الإسلامية فى أمريكا فتقول: إن القرآن يعلى من منزلة وشأن الرجل ويتمثل هذا فى ثلاثة مظاهر: تعدد الزوجات، (فأتوا حرثكم أنى شئتم)، والحور العين, أى أنه يراعى رغبات الرجل حتى بعد الموت - وتشير إلى أن القرآن كان يخاطب مستمعيه الأولين فى سياق الظروف الاجتماعية والتاريخية والثقافية التى نزل فيها.
• قصة خلق حواء
وقد ظهر بعض الأشكال المؤسسية للحركة النسوية الإسلامية فى الغرب بشكل متخصص مثل منظمات (أخوات فى الإسلام) فى ماليزيا التى قدمت عددا من الدراسات حول: (هل تتساوى النساء والرجال أمام الله؟)، وتؤصل لفكرة المساواة بين النساء والرجال فى الخلق، حيث تشير إلى أن الله خلق من كل شىء زوجين وكذلك البشر، ولم يخلق حواء من ضلع آدم، وأن العوامل الثقافية والتاريخية هى التى رسخت لهذا المفهوم، مما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بالنساء على مر القرون لأن المرأة ليست مخلوقة من أجل الرجل، ولكن كليهما مخلوق لمنفعة الآخر. وتعد مؤسسة (المرأة والذاكرة) فى مصر كما تقول الشريف هى المؤسسة التى تدعم النشاط النسوى الإسلامى من خلال توثيق التجارب النسائية, وقد نشرت عددا من الكتب التى توثق لتاريخ النساء اللواتى كان لهن نشاط اجتماعى ملموس، كما تنشر وتترجم ما يصدر عن المؤسسات الأكاديمية الغربية إلى العربية كمساهمة فى التعريف بالإنتاج المعرفى للمرأة.
• نحو فقه جديد
والسؤال المهم: هل يمكن للمرأة المصرية الآن أن تقدم اجتهادات فكرية ودينية وفقها جديدا تسهم به فى إنتاج معرفى يسعى نحو تجديد الخطاب الثقافى والدينى فى مصر؟.. ومن قراءة فى أدبيات الحركة النسوية الإسلامية فى مصر يتضح التالى كما تقول الشريف: تعرضت الحركة النسوية الإسلامية فى مصر لقضايا مهمة منها: (القوامة، والطاعة، والمهر وعقد الزواج، وتعدد الزوجات، والعلاقة الزوجية)، وهى من أهم القضايا الخاصة بالمرأة فرفضت الاتجاهات النسوية تعريفات المهر وعقد الزواج التى ذكرت فى كتب التفسير والفقه للعلماء الأوائل, لأن هذه التعريفات تأثرت بالسياق الاجتماعى الثقافى السائد الذى غلب عليه طابع التجارة والمعاملات المادية ووصفن التعريفات الحديثة بأنها رومانسية ولا تعطى للمرأة حقوقها، ومن المقترحات التى ذكرتها بعض النسويات أنه لا يكفى ترك مساحة فارغة للشروط فى وثيقة الزواج، بل الأفضل أن يتم وضع الشروط وتختار الزوجة منها حتى يتيسر عليها الأمر، ويرى البعض أن المشكلة ليست فى الوثيقة، ولكن فى سرعة حكم القاضى، ومقاضاة الزوج فى حال عدم التزامه بالشروط، ومن الجدير بالذكر أن عقد الزواج فى القرن الثالث الهجرى كان يظهر قدرا من المرونة فى تضمين الشروط التى طلبتها النساء وقبلها الرجال كجزء من العقد، فكان من أهم الشروط التى أصرت النساء على تضمينها فى عقود الزواج تتمثل فى ألا يتخذ الزوج زوجة ثانية, فإن فعل يصبح للزوجة الأولى أن تختار بين أن تطلق الزوج من زوجته الثانية أو أن يكون طلاقها بيدها هى نفسها، كما كان الشائع أيضا وضع شروط تقضى بحسن معاملة الزوجة وتحديد ما تستوجبه هذه المعاملات الحسنة، وغالبا ما كانت تطلب المرأة من زوجها عند الزواج أن يقوم على توفير المأكل وكفالة أبنائها من زيجة أخرى، كما كانت النساء يطلبن أن يعيش معهن أفراد آخرون من أسرتهن كأمهاتهن مثلا، وكن يطالبن بألا يخرجن من بيوتهن إذا لم يرغبن فى ذلك، وحددن تفاصيل دقيقة ومعقدة فى معاملتهن وحرية حركتهن، والآن حدث التراجع فى حقوق المرأة واستسلمت هى لسطوة الرجل الذى رفع فى وجهها صيحته (أنت ما تشرطيش عليا)!! حيث أصبحت له السيادة والكلمة الأولى والأخيرة فى إنهاء عقد الزواج، أو الزواج من أخرى فى ظل الأزمة الاقتصادية وزيادة نسبة العنوسة بين الفتيات، والجدير بالذكر أيضا أن هذا التراجع بدأ منذ عام 1885، حيث تحول عقد الزواج من وجهة نظرى إلى عقد إذعان إذ نص القانون المصرى لعام 1885 فى المادة 12 منه على أنه لا يصح الزواج الذى يتضمن شرطا أو ظرفا مشكوكا فى تحقيقه وأن عقد الزواج الذى يبرم تحت شروط غير قانونية يعد قانونيا! ويعتبر الشرط كأنه لم يوجد مثل الزواج الذى يشترط فيه الزوج عدم وجود صداق وإذا أضيفت شروط إلى العقد يحكم القاضى عند الطلاق بصحة الزواج وعدم صحة شروطه لتنافيه فى العموم مع الشريعة، وبذلك أغلقت القيود التى وضعها قانون 1885 على إضافة الشروط فى عقد الزواج أهم باب كانت تستخدمه النساء فى عقود الزواج لضمان حريتهن بتحديد نوعية الحياة التى يتوقعنها مع أزواجهن، وتشير سوسن الشريف إلى أن هذا القانون أغلق السبيل أمام النساء لإعادة التفاوض بشأن زيجاتهن إن لم تسر الأمور على ما يرام وأنه يمكنهن الحصول على الطلاق دون الاضطرار إلى دفع تعويض مالى للزوج ومنذ عام 1885 فصاعدا رفض القضاة الاعتداد بالشروط المتضمنة فى عقود الزواج فى إجراءات التقاضى على أساس صحة العقد واعتبار الشرط غير قائم، وقد بدأت بعض الجهود لإعادة إدراج شروط فى عقد الزواج منذ عام 1920، ثم تجدد الاقتراح فى النصف الثانى من 1980 من قبل مجموعة النسويات (بعضهن من المحاميات) بالمطالبة بعقد زواج جديد يضمن حقوق المرأة ويسمح للزوجين بوضع الشروط التى يريان أنها تحقق مصالحهما, فى الوقت نفسه لا تخالف الشرع، وتحقق هذا المطلب عام 1994 وتم تعميم وثيقة الزواج الحديثة عام 1995 إلا أن الشكل الحديث لوثيقة الزواج لم يعط للمرأة حقوقها كما ترى النسويات، فقد ركز على معانى المودة والرحمة لكنه أغفل الحقوق القانونية للمرأة.
• القوامة التزامات ومسئوليات
وحول (القوامة) ترى النسويات الإسلاميات أن مفهوم القوامة يفسر بشكل ذكورى بحت ويؤكد سلطة الرجال على النساء، فمن التفسيرات التى ذكرها الشيخ محمد عبده أن الشريعة كرمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة (المهر) عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة وهو أن يكون زوجها قيما عليها، والمرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة وسمحت بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هى درجة القوامة والرئاسة، أما تعريف الرازى فقد كان- من وجهة نظرى- أكثر تراجعا فهو يرى أن معنى الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء) أى مسلطون على أدبهن، والأخذ فوق أيديهن فكأنه تعالى جعل الرجل أميرا عليها ونافذ الحكم فى حقها، ويرى محمد عمارة أن هذه الدرجة ليست لكل رجل على كل امرأة ولا لكل زوج على كل زوجة وإنما هى للغالب من مجموع الرجال على الغالب من مجموع النساء، وترى النسويات الإسلاميات أن الآية لا تعنى حقيقة أن الرجال قوامون وأن النساء لسن قادرات على إعالة أنفسهن ولكنها تعنى أنه نظرا للعبء الثقيل على المرأة من الحمل والولادة وتربية النسل فينبغى ألا تتحمل مع ذلك التزامات مادية، وأن آية القوامة أسىء تفسيرها لتصبح دليلا على أن للرجال سلطة على النساء، وأن جميع الرجال أرفع مقاما من جميع النساء، لكن القرآن يربط بين الامتيازات والمسئوليات، فمسئولية الرجال المادية التى تعنى أنهم مسئولون عن الإنفاق وإعالة المرأة يقابلها مميزات مثل الحصول على نصيب أكبر فى الميراث فالقوامة تكليف وليست سلطة.
خطاب دينى للرجل
وفى مسألة العلاقة الزوجية ترى النسويات الإسلاميات أن القرآن لم يستخدم الجنس للتمييز ضد النساء، فلا يتضمن ما يعبر عن ازدراء النساء أو الجنس، بل إنه لا يصم الجنس ذاته وتعامل معه على أنه أمر طبيعى ومرغوب فيه لكل من النساء والرجال، ولكنه يحض على العفة خارج إطار الزواج وداخله، فالعفة فى القرآن لا تعنى التنسك أو الامتناع عن الجنس ولكنها تشير إلى سلوك جنسى محكوم فى إطار الحدود الأخلاقية التى شرعها الله، كما تذكر أسما برلسى فى كتابها (القرآن والجنس)، وتطالب النسويات بأهمية وجود خطاب دينى للرجل لأن خطابات الوعظ توجه للمرأة وغالبا ما تتحدث الأدبيات عن نشوز الزوجة ولكنها لا تتحدث عن نشوز الزوج، فقد وصف هجر الزوج لزوجته دون سبب بالنشوز، وفى تفسير الرازى فالمراد بالنشوز هو إظهار الخشونة فى القول أو الفعل أو كليهما، والمراد من الإعراض السكوت عن الخير والشر، وتقول الشريف: إنه رغم تناول الحركة النسوية الإسلامية لمفهوم العلاقة الزوجية فى بعض الأدبيات، فقد ركزت بعض النسويات على حقوق الزوجة فى العلاقة الزوجية الحميمة ومفهوم العفة للزوجين ولكن بشكل مختصر مما يتطلب المزيد من البحث والدراسة.
كانت تلك بعض جهود الحركة النسوية الإسلامية وما طرحته من اتجاهات وأفكار يمكن أن يكون لها دور مؤثر بالفعل فى إنتاج فقه جديد، إنها جهود تسجل إسهام المرأة المصرية فى الإنتاج المعرفى والاجتهاد، والمشاركة فى صياغة جديدة لأحوال المرأة وما يتعلق بقضاياها الحيوية، علاوة على دورها فى مجال تجديد الخطاب الدينى والثقافى فى مجتمع يظلم المرأة بالموروثات والتقاليد والتفسيرات الخاطئة للدين، وهى بعيدة كل البعد عن صحيح الدين والإسلام الذى كرم المرأة أما وأختا وزوجة وامرأة عاملة وربة بيت وأسرة. •