هذا موقف محترم من الصحفية الفرنسية فينسيان جاكيه المراسلة المقيمة فى القاهرة التى كانت تعمل حتى أيام قليلة متعاونة مع صحيفة فرنسية شهيرة، ولكنهم استغنوا عن خدماتها، فيما تُعزِيه هى إلى رفضها أن تغطى أحداث الطائرة المصرية المنكوبة بالطربقة التى طلبوها منها والتى لم ترض عنها. فكان الردّ فى اليوم التالى مباشرة بخطاب الاستغناء.
تقول إن التكليف كان بأن تركز فى تغطيتها على الجانب الخاص بتدابير الأمن المتبعة على متن طائرات مصر للطيران، مع تناول الجوانب الإنسانية الخاصة بأحزان ذوى الضحايا.
وتقول إنها لا تحسّ بالندم على قرار فصلها بل إنها فخورة بموقفها، لأنه على الصحفى أن يتعلم كيف يقول لا لرؤسائه إذا طلبوا منه أن يتغاضى عن واجبه فى الالتزام بدقة المعلومات التى تقوم عليها معالجته لموضوعاته. وتضيف بأنه على الصحفيين أن يعوا أنه من الممكن لكلماتهم أن يكون لها وقع مدمِّر على بعض الأفراد! وإن ما منعها عن القيام بالمطلوب منها أنه ليست هنالك معلومات متاحة عن الموضوع، وبالتالى فإن أسباب الحادث مجهولة، وليس هناك أى مؤشرات تسمح بإلقاء المسئولية على كاهل مصر للطيران ولا توجيه اللوم لها.
وكما تري، فإن الموضوع بهذا الطرح يتجاوز كونه مجرد خلاف بين صحفية وجريدتها إلى أن يكون وسيلة إيضاح لقضية تخص جوهر مهنة الصحافة، وهى المهنة التى اكتسبت أهميتها لأنها فرضت نفسها على الجماهير العريضة فى كل البلاد بكل اللغات، وزادت أهميتها بعد أن أضيف التليفزيون للصحافة المقروءة، وهو الذى صار منبراً آخر للصحفيين يقتحمون به كل البيوت عبر الكوكب. مما يجعل أسس وأخلاقيات هذه المهنة تمسّ عموم الناس. وهذا يبرر أن يكون للصحفيين فى كل المجتمعات ضمانات لا لأنفسهم ولكن ليتمكنوا من تحقيق ما يُلبِّى حاجة الجماهير العريضة.
هل ينشر الصحفى الأخبار والموضوعات بعد أن يتيقن من صحة المعلومات؟ أم يتعامى عما يراه؟ أم يتكاسل فى التدقيق؟ أم يمتثل صاغراً لتكليفات رؤسائه؟ أم يُنحِّى جوهر الأحداث ويدغدغ مشاعر الجماهير ويركز فقط على ما يرضى غرائزها من أخبار سطحية أو إثارية أو عاطفية؟.