نصف الدنيا
نوال مصطفى
ملكة تبحث عن عريس
من أجمل الكتب التى تركها لنا الكاتب الراحل القدير رجاء النقاش كتاب «ملكة تبحث عن عريس»، البطل الأساسي فى هذا الكتاب هو المرأة، و قد كان لي شرف نشره ضمن سلسلة «كتاب اليوم» أثناء رئاستى لتحريرها.

كان الكتاب كله عن قصص حقيقية لنساء من الشرق والغرب لهن حكايات أغرب من الخيال. من أطرف قصص الكتاب قصة «الملكة فيكتوريا» التى رواها النقاش بسلاسة وتشويق شديدين.

فعندما بلغت الملكة «فيكتوريا» سن الواحدة والعشرين أخذت تبحث عن «عريس» يصلح زوجاً لها، فقيود منصبها كملكة لإنجلترا لا تسمح لها أن تختار عريسها على هواها مثل أي فتاة أخرى، قد تكون فلاحة بسيطة أو عاملة فى مصنع، فهذا الزوج سوف يكون أباً لأبناء «فيكتوريا» وهؤلاء الأبناء سوف يرثون العرش ويتولون السلطة العليا فى البلاد، فلابد أن يكون الزوج حاصلاً على رضاء الحكومة الإنجليزية وأن يكون خاضعاً للشروط القاسية لهذه الحكومة والتى ينبغى أن تتوفر فى «عريس الملكة»

ولنستمع إلى بعض الشروط التى وضعها رئيس الوزراء «ملبورن» للعريس الذى يليق بالملكة كما جاء على لسانه فى مسرحية الكاتب الإنجليزي«لورنس هاوسمان» والترجمة هنا للكاتب الكبير الراحل عباس محمود العقاد.

يقول رئيس الوزراء للملكة: إن المزايا التى يمتاز بها العريس الذى يليق بجلالة الملكة هى ولاريب مزايا فريدة أو مزايا خاصة، بل يجب أن تكون مزايا غريبة، فمن الواجب أولا أن يكون من سلالة ملكية، ومع هذا لا يجب أن يكون وارثاً مباشراً أو مرجحاً لعرش من العروش، لأن وراثته ربما تؤدي يا مولاتى إلى بعض المشاكل السياسية، والعريس اللائق بصاحبة الجلالة ينبغى أن يكون من أبناء العقيدة «البروتستانتية» وهى عقيدة الإنجليز، فليس فى مقدرك أن تتزوجى «كاثوليكياً» فقانون البلاد يمنع ذلك، ثم ينبغى أن يكون العريس شاباً حتى يصبح شريكاً مناسباً لصاحبة الجلالة، وينبغى أن يعرف اللغة الإنجليزية وأن يتعلمها إن لم يكن يعرفها، وأن يكون صالحاً لاقتباس العادات والتقاليد الإنجليزية وهذه الصفة هى أصعب الصفات كما هو معروف من تحرج الإنجليز مع الأجانب، أي أنهم لا يحبون الأجانب ولا يسمحون لهم بالاختلاط معهم .وأن يكون على جانب من الذكاء ولكن على غير جانب عظيم منه إذ أنه لو كان عظيم الذكاء فسوف يتدخل فى الأمور السياسية وهذا ممنوع .

كذلك يجب أن يكون صحيح الجسم سليم التكوين، منحدراً من أصل أصيل، وهذا أصعب ما يواجهنا الآن فى اختيار العريس المناسب لجلالتك إذ أن الأصل الأصيل فى الأسر الأوروبية يعتبر من أندر الصفات!.

ولقد انتهت القصة الواقعية بأن اختارت الملكة ابن خالها الأمير «ألبرت» وتزوجته سنة 1840 وكانت تحبه حباً شديداً، أنجبت منه تسعة أبناء وبنات، وعندما توفى زوجها سنة 1861 وكانت فى الثانية والأربعين رفضت أن تتزوج بعده، ولبست عليه ثوب الحداد طوال السنوات الأربعين التى عاشتها بعده .

وهكذا انتصرت الملكة فيكتوريا على القيود الكثيرة الصعبة التى كانت موضوعة أمامها وهى تختار العريس الذى يناسبها ويطفئ ظمأ قلبها وحرارة عواطفها وليس العريس الذى يرضى رئيس وزارتها ويتفق مع شروطه القاسية التى حاول فرضها على الملكة وهى تختار عريسها.

هكذا الزواج دائماً معضلة، فالبعض يظن أن ملكة مثل فيكتوريا، سيكون زواجها كحياتها مترفاً أو سهلاً، لكن الحقيقة أن كل إنسان يرى في الحياة صعوبة حتى لو كانت صاحبة الجلالة.. ملكة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف