نصف الدنيا
فاطمة ناعوت
العازفُ
“سألتني المذيعةُ الجميلة: لو كنتِ آلةً موسيقية، أيُّ آلة تَودّين أن تكوني؟

أجبتُ من فوري: ڤيولين!

ابتسمتْ وسألت: لماذا؟

لأنها الآلةُ الموسيقية التي يحضِنُها العازفُ كما يحضِنُ العاشقُ امرأتَه. لا يجلسُ أمامَها يحاورُها، كما عازف البيانو. ولا يقرعها بعصا غليظة فتصرخُ، كما عازفُ الدرامز. ولا يضربُها بأصابعِه فتتألمُ كما عازف الدُّفّ. ولا يحاورها عن بُعدٍ وهو يضعُ قدميه على قدميها، كما عازف التشيللو والكونترباص. ولا يفتحها ويُغلقها مثل كتاب، كما عازف الأوكورديون. ولا ينفخُ في فمِها كما عازف الساكس والفلوت. ولا يقفُ قبالتَها كمحارب أمام محارب، كما عازف الهارب. ولا يُنيمها أمامه فوق طاولة كطبيب أمام مريضٍ، كما عازف القانون. ولا يُجلسُها على ركبتيه كطفل يلاعبُ قطَته، كما عازف العود، إنما يرفعُها إلى وجهه كوردةٍ مشرقة، ثم يحتويها بذراعيه في حنان مثلما يحتضن أبٌ طفلتَه، أو بشوقٍ كما يحمل حبيبٌ حبيبتَه يوم عُرسِهما، ثم يُريح رأسَه على صدرها، ويبدأ في مناجاة أوتارها حتى تستجيب لنجواه. يقترب بشفتيه من عنقها حيث حزمة الأوتار ومفاتيح القلب، ثم يهمسُ لكل وترٍ بسرٍّ ما، لن نعرفه أبدًا.”



قالَ:

أنتِ قِيثارتي الصغيرةُ

...

الليلةَ

سآخُذُكِ بين ذراعي

وأعزفُ.



افتحي قاعاتِ قلبِكِ

شاسعاتٍ

لكي يدقَّ الرنيُن صادحًا

بين جَنباتِها

وسلّمي لي مفاتيحَك

حتى أُدَوزِنَ النغمَ على شفتيكِ الشهيّتين

ثم ايقظي أوتارَكِ النائمةَ

ريثما

أجهِّزُ ريشتي

وآتي.



وحدي أنا

من بين عازفي الأرضْ

أعرفُ نوتةَ موسيقاكِ

وأسرارَها

...

بالأمسْ

سرقتُ

من أوكتاڤٍ عابرٍ

نغمتين

شاردتيْن

حتى أضيفَهما لأوكتاڤِكِ المجنونْ

فيصيرُ تِسعًا

...

فأنّى لجموحِكِ الهادرِ

بسبعْ!



صوتُكِ

في «القرارِ» الخافتِ

لحظةَ خضوعِ جسدِكِ لذراعيّ

أخفَضُ وقعًا

وتوقيعًا

من همسِ زهرةٍ

لزهرةْ

...

أما «جوابُك» الهادرُ

لحظةَ صعودِ جسدِك الريّانِ

مع جسدي

أصْخَبُ

وقعًا

وتوقيعًا

من بُركانٍ غضوبْ

وأعنَفُ

إيقاعًا

من تهشُّمِ نيزكٍ حرونٍ

على أبوابِ مدارِ نَجمْ سيّار

...

فكيف تكفيكِ نغماتٌ سبعٌ

يا قيثارتي الثائرة!



الليلةَ

سأحملُكِ بين ذراعيّ

كما يحمِلُ عازفٌ حزينٌ

ڤيولينتَه

الحُلوةَ

رشيقةَ الأوتارِ

وأعزفُ.

***
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف