الأهرام
عزت ابراهيم
مباراة برشلونة وأشبيلية اليوم في نهائي كأس إسبانيا
واحدة من مأسى السياسة العالمية أن الجزء الغاطس من المصالح المباشرة للدول أكبر من الأجزاء الظاهرة وعندما تكون المصالح مرهونة بمواقف وتحالفات بعضها دائم وكثير منها مؤقت يشكل الأمر للمواطن العادى، غير المتخصص، عبئا فى فهم ما يجرى على الساحة الدولية وتأخدنا بالقاريء والمشاهد الشفقة وهو يطالع فى كل دقيقة أخبارا لا يتوقف تدفقها ولا يمكن التيقن من كل ما ينشر أو يذاع أو الحكم على مصداقيته فى التو والحال. فى قضية المواجهة العالمية ضد الإرهاب تبدو الفجوات فى فهم السياسات الخاصة بالدول أولا، والتجمعات الإقليمية ثانياً، وما يطلق عليه الأسرة الدولية ثالثاً مسألة لا يمكن الجدل بشأنها بعد أن عاينا التجارب المريرة فى مواجهة جماعات تم تصنعيها فى ظروف تاريخية بعينها ثم أطلقت من عقالها فى السنوات الأخيرة بعد أن ظهرت فى قلب منطقة الشرق الأوسط تحمل عتادا عسكريا وميليشيات أقرب للجيوش النظامية دون أن تتعامل عواصم القرار فى العالم مع الظاهرة بالجدية التى تقول إن الخطر عظيم والفاعلين الدوليين لا يمكن أن يقفوا مكتوفى الأيدي. ما سوف أقوله هنا لا يعفينا من المسئولية عما يجرى من تنامى تلك الجماعات على مدى عقود ولكن نرصد معوقات تواجه وحدة المجتمع الدولى فى مواجهة الإرهاب العابر للحدود. وتشهد أحداث الأيام الأخيرة صورة من تلك المعوقات وهى ترك «صورة ذهنية سلبية» تنمو وتترعرع فى فضاء إعلامى بلا حدود.

نظرة على ما يجرى فى المطارات الأوروبية فى الشهور سواء فى باريس أو بروكسيل وغيرهما سنجد نوعا من برودة المواقف غير المعتادة وسيولة فى الإجراءات الأمنية توحى بأن مجموعات من الإرهابيين قد كسبوا جولة تلو الأخري، وأن خلاياهم المنتشرة فى الغرب تنعم بحالة من الكمون فى فردوس الحريات ثم تخرج علينا بعمليات يدفع ثمنها المواطن العربى فى المقام الأول، سواء سكان العالم العربى أو المهاجرين وسوادهم الأعظم لا علاقة له بتلك الجماعات المتطرفة. الصورة النمطية السائدة التى راجت لمدة أربعة عقود عن شعوب المنطقة باعتبارهم مصدرا لكل الشرور كسب من وراء ترويجها دول تملك مصالح غير عادية فى الشرق الأوسط ومن ثم هناك آلة وماكينة إعلامية عملاقة تستفيد من الصورة النمطية «المهترئة» التى تخرج ملامح قاسية وصعبة فى كل أزمة. فى كارثة الطائرة المصرية التى تحطمت فى مياه البحر المتوسط يوم الخميس الماضى ستجد أصابع الاتهام تروح وتأتى وتشير إلى أن الخلل هنا وليس هناك وأنه لابد من وجود شيء ما مريب فى جانبنا. القصص الخبرية التى يكتبها المراسلون الأجانب تمسك بأول خيط وهو وجود شكوك فى أفراد الطاقم أو الأمن أو عيوب فنية ويبدأ البحث عن ثغرات تؤدى إلى فرضيات تشبع فضول وتدعم قناعات المتلقين للصورة النمطية التقليدية عن مجتمعات تصدر المتاعب للعالم وغيرهم لا مسئولية عليه فيما يجرى من حولنا!

قصة الإعلام الخارجي صارت مزمنة وتحتاج إلي رؤية أوسع من مجرد التعامل مع حادث واحد أو أزمة طارئة، فلابد من أن يسمع أحد إلي كل تلك الشكاوي والضجر من طريقة التعامل مع قضايانا في الأعلام الغربي. ولو كان الأمر يتعلق بالإمكانيات لما نجحت دول كثيرة ـ كانت حتي وقت قريب في دائرة الفقر ـ فى تحسين صورتها دوليا وتقديم نفسها بصورة مختلفة علي الساحة. المسألة في النضج الذي يصل بنا إلي تقديم محتوي أكثر إحترافا ومهنية وليس في الأصوات المزعجة التي تستخدم سلاحا ضدنا.

إلى جانب الصورة النمطية السلبية، المصالح المتعارضة للدول الكبرى التى تشكل خريطة التحالفات وتدير العالم فى الأعوام المائة الماضية تلعب دورا فى استخدم ورقة جماعات الإرهاب فى عمليات المساومة ولعبة شد الحبل فى الملفات الإقليمية الساخنة وعدم الوصول إلى توافق يؤدى إلى حسم المواقف فى قضية باتت تهدد الاستقرار العالمى ويدفع أبرياء أثمانا فادحة لها سواء فى مناطق الصراعات أو فى الهجمات على المدنيين خارج الشرق الأوسط. مشهد ما يجرى فى أوروبا وما يعانيه الشرق الأوسط من جماعات الإرهاب يقول إن هناك من يسعى إلى التعامل مع «اعتياد» المشهد وليس مع ايجاد حلول للكارثة التى يمكن أن تشعل حروباً أكبر من حدود الشرق الأوسط.

مبدأ التعايش مع ظاهرة الإرهاب هو أخطر ما يتهدد الأمن والسلم الدوليين، فلا يمكن أن تنقلب سياسات الحدود المفتوحة والعولمة الإيجابية، التى تزيد من انتقال البشر والمنتجات، إلى كابوس دام دون أن تتحرك الدول التى وقفت يوما راعية للظاهرة المؤسفة وتدير ظهرها للمصالح الضيقة والصراع مع الأقطاب الأخرى وتحسم أمرها فى حرب غير تقليدية تقطع من خلالها قنوات التمويل والتجنيد وتشكيل ميليشيات مسلحة فى غالبية الدول التى تقف حكوماتها دون قدرات كبيرة فى الحرب على الإرهابيين. ولو تحدث البعض أن أصل الظاهرة الإرهابية فى الغرب وظهور «دواعش» من المولودين فى الدول الأوروبية يعود إلى مؤثرات قادمة من الشرق الأوسط، ردنا أن التبرير السابق هو مجرد زاوية واحدة لقضية متشعبة لم يقم الغرب بأهم خطوة فيها وهى الإقرار بحتمية تغيير السياسات التى تفضى إلى الكارثة الراهنة والتعامل بجدية تليق بدول يرتفع صوتها طوال الوقت عن حماية مواطنيها بينما هؤلاء المواطنون تحولوا إلى أوراق مساومة فى لعبة جهنمية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف