مؤمن الهباء
شهادة -منظمة الشباب.. من تاني!!
لا أدري لماذا يتعمد شيوخنا الكبار العودة بنا إلي تجارب ثبت فشلها وانتهت بكوارث علي الوطن والمواطنين.. والإصرار علي تزيين هذه التجارب وفرضها فرضاً علي الأجيال الشابة.. كما لو كان المطلوب دائماً أن نكرر أخطاءنا.. ونسير علي نفس الأشواك التي سرنا عليها من قبل ومازلنا نتألم من جروحها.. ثم نتخيل أن هذه التجارب الفاشلة هي التي ستنقذنا مما نحن فيه ولن توصلنا إلي كوارث أسوأ من تلك التي وصلنا إليها من قبل.
مات الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو يدعو إلي تكوين هيئة أو تنظيم أو تحالف يجمع كل الأحزاب السياسية معاً فيما يشبه إعادة إنتاج لفكرة الاتحاد الاشتراكي العربي "تحالف قوي الشعب العاملة" التنظيم السياسي الوحيد في عهد عبدالناصر الذي أنهي به المرحلة الليبرالية.. وقضي به علي التعددية الحزبية.. ليفرض علي الشعب رؤية شمولية ديكتاتورية مستبدة.. ليس فيها غير صوت واحد هو صوت الحاكم وزبانيته.. وألغت من قاموسنا السياسي مفردات الحرية والديمقراطية والرأي الآخر.. وكانت النهاية كارثة الكوارث.
واليوم يدعو الأستاذ مكرم محمد أحمد - الكاتب الكبير - إلي إعادة التفكير في بناء منظمة جديدة للشباب شبيهة بتلك التي بناها عبدالناصر.. وذلك من خلال مقاله بالأهرام يوم الاربعاء الماضي تحت عنوان "ليست بالضبط منظمة الشباب".
ويتحسب الأستاذ مكرم لأسباب فشل منظمة الشباب الناصرية فيطالب بأن تكون المنظمة الجديدة أكثر ديمقراطية واتساعاً.. وتستفيد من أخطاء التجربة السابقة فتقبل بالرأي والرأي الآخر وحوار الأجيال.. وتركز أهدافها علي ضرورات "تحقيق وفاق وطني يصد عن مصر غائلة الغلو والتطرف ويحرس وحدتها من تآمر طابور خامس يعيش بين ظهرانينا يدمر ويخرب وتشكل جزءاً من ضمير مصر الوطني يقوم الاعوجاج ويصحح المسار وينبه إلي الأخطاء".
ولا يريدها الاستاذ مكرم تكتلاً عقائدياً مغلقاً كما كان الحال مع منظمة الشباب.. وإنما يريدها "تنظيماً مفتوحاً أشبه بناد مفتوح العضوية يضم الجهد التطوعي لكن من يريد الإسهام تحت راية الوطن.. يضم أبطال الرياضة والشباب ورواد العلم من المبتكرين الشبان أصحاب المواهب والقدرات العالية.. كما يضم شباب الفنانين الموهوبين الذين يبحثون عن فرصة لتحقيق ذواتهم.. ينتظمون جمعياً في جهود تطوعية تخدم البيئة والوطن".
ورغم هذه الكلمات المنمقة إلا أنها في النهاية تقود إلي بناء منظمة شمولية واحدة تريد أن تسيطر علي شباب مصر وتتجه به وجهة واحدة بعناوين براقة مثل "ضمير مصر الوطني.. تحت راية الوطن.. تخدم البيئة والوطن".. وبسرعة سوف ينضم إليها الانتهازيون والطبالون والزمارون وكل من يريد أن يقفز فوق الأكتاف باسم الوطن.. ومن لم ينضم لهذا النادي المفتوح فسوف يعد من أعداء الوطن والخارجين علي وحدته.. وهذه هي نفس الرؤية الشمولية التي قامت عليها منظمة الشباب الأولي.. حتي وصل الأمر بأعضائها إلي التجسس علي أهليهم وكتابة تقارير أمنية ضد آبائهم وإخوانهم الذين لهم آراء وتوجهات غير التوجهات الناصرية.
لماذا يا أستاذ مكرم - ويا كل شيوخنا الكرام - لا تتبنوا الدعوة إلي التطبيق الجاد للاختراع الذي جربه العالم من قبلنا ونجحت به الدول والشعوب.. أقصد بالطبع اختراع الديمقراطية والتعددية الحزبية والتنوع الفكري في إطار دولة القانون؟!.. لماذا يعتقدون أن المصريين في حاجة دائماً إلي وصاية وأنهم غير جاهزين للديمقراطية الحقيقية وغير قادرين عليها؟! لماذا الإصرار علي جرنا للوراء وتكرار تجربة الدولة البوليسية الشمولية.. دولة الكل في واحد؟!
لو تشكلت منظمة الشباب التي يدعو لها الأستاذ مكرم هل يمكن أن نري فيها شباباً يرفض الإعلان المفاجئ عن الجزيرتين وشبابا يتظاهر ضد قانون التظاهر أو ضد سد النهضة أو من أجل الحريات؟!.. ولو اتسعت المنظمة لهؤلاء ألا يمكن أن تتهم بأن الطابور الخامس قد اخترقها؟!
الديمقراطية الحقيقية هي الحل.