لا شك أن مصر مستهدفة، وأن جهاز مخابرات لإحدى الدول الكبرى وراء الحوادث المؤثرة التي تشهدها مصر، قد تكون الدولة أمريكا أو لندن، قد تكون إسرائيل، ولا شك أن هذا الجهاز يستهدف محاصرة مصر، وضرب اقتصادها، وإفساد علاقتها بدول أوروبا والدول القوية التي يمكن أن تساعدها، وقد ظهرت نواياه بعملية تفجير الطائرة الروسية، ثم تلتها بعملية جوليو ريجينى الإيطالي، وانتهت بالطائرة التي أقلعت من مطار شارل ديجول الفرنسي.
عندما انفجرت الطائرة الروسية في سماء سيناء قلنا يومها إن الهدف من هذه العملية ضرب العلاقات المصرية الروسية، العلاقات الروسية بالشرق الأوسط، بالإضافة إلى ضرب اقتصاد مصر ممثلا فى السياحة والاستثمار، وبعد مقتل الطالب الإيطالي نبهنا أيضا للمخطط، فقد تم تنفيذه بأسلوب الأجهزة الأمنية لتحميل مصر المسئولية، ونجح جهاز مخابرات هذه الدولة أو الدول في تحقيق المستهدف، أوقفت روسيا رحلاتها من وإلى مصر، ومنعت روسيا وايطاليا وبعض البلدان الأوروبية رعاياها من السياحة في المدن المصرية، وقامت بعض البلدان الأوروبية بتجميد بعض الأنشطة الاقتصادية.
وكان من الطبيعي بعد هذه الحوادث الموجعة والمؤلمة للشعب وللاقتصاد المصرى، أن تتردد بعض البلدان نحو مصر، وتفكر أكثر من مرة، خاصة وأن أمنها أصبح منهكا ومخترقا أو مستباحا لبعض الإرهابيين من ناحية، ولأجهزة مخابرات بعض الدول من ناحية أخرى.
وهذا المشهد المرتبك بدون شك يدفعنا للتساؤل: كيف تلعب هذه الأجهزة داخل مصر؟، كيف تمكنت من التنقل بسهولة بين مؤسسات وهيئات الدولة؟، هل أتيحت لها الفرصة بسبب انشغال أجهزة الأمن الداخلية في محاربة الإرهاب؟، وماذا عن أجهزة المخابرات المصرية؟.
المؤكد أن أجهزة الأمن المصرية تعانى من إنهاك، لكن المؤكد أيضا أنها تعانى من خلل ما تسبب فى وجود بعض الثغرات بها، ليس من المعقول أن تلعب بعض الأجهزة المخابراتية بهذا الشكل، وبهذا الأسلوب، وبهذه البساطة، وتنجح فى ضرب علاقات مصر واقتصادها.
مصر دولة كبيرة، ومشهود لأجهزتها الأمنية بالقوة، قد تمر ببعض فترات الضعف، بفترات إنهاك لأسباب متعددة، لكن أن يصل بنا الأمر إلى أن تستبيحنا بعض الأجهزة المخابراتية، فهذا من غير المقبول على إطلاقه، صحيح مصر خارجة من ثورة، وصحيح أجهزتنا منشغلة بمحاربة الإرهاب، لكن هذا لا يبرر أبدا أن نستباح بهذه الصورة، كرامة وهيبة مصر أكبر بكثير من أن تضعف أجهزتها الأمنية، نحن لن نقبل تحت أية ظروف أن تضعف أجهزتنا الأمنية، ولن نقبل أبدا أن تكون بلادنا مستباحة لجهاز أو أجهزة أجنبية، يفعل ما يريد فى الوقت الذي يحدده، فى المكان الذي يختاره، مصر أكبر من أن تخترق مطاراتها، وأعظم من أن يخطفوا أحد ضيوفها ويعذبوه ويقتلوه، وتلقى جثته فى الطريق، مصر التى نحبها ونعشق ترابها أقوى وأكبر بكثير من الصورة التي نراها عليها اليوم.