نصف الدنيا
نوال مصطفى
سارة وليلى
أسابيع ثلاثة انقضت على «سارة»، وهي تعالَج في المنتجع الطبي للدكتور «أحمد عكاشة» بالقاهرة الجديدة.. صارت الآن أفضل مما كانت عليه قبل الواقعة التي قلبت كيانها.. كانت تلك الأسابيع الثلاثة ضرورة لكى تعود إلى نفسها، أو بالأحرى لأن تواجه نفسها بصراحة ووضوح.

فهل كانت صفعة «فاتن» هي السبب في ذلك الانقلاب الكامل الذي شهدته حياة «سارة» بعد ذلك؟ هل أفاقتها الصفعة لتتخلص من نزق الاندفاع وحماقة التمرد الأجوف الذى مارسته على أحب الناس إليها أمها «شهد»؟

لقد رفضت «سارة» الرجوع إلى فيلا الشيخ زايد.. عندما جاء والدها ليصطحبها إلى هناك بعد انتهاء فترة علاجها.. وأصرت على الذهاب مع «شهد» إلى بيت السيدة زينب.

ورغم القرار الذى اتخذه الدكتور «أحمد خيري» بالطلاق من «فاتن» بعد أن تعدَّت على ابنته «سارة» بالضرب، وتسببت لها فى انهيار عصبى، فإن قراره هذا لم يجعل «سارة» ولا «شهد» تعدلان عن موقفهما الذي اتخذتاه بصورة نهائية وهو: الإقامة في «بيت العيلة».. وعدم الرجوع إلى فيلا الشيخ زايد.

فى البداية كانت تتحسَّس خطاها فى ذلك العالم الجديد عليها تمامًا.. كانت كالجنين مرتبطة بأمها ارتباطًا عضويًّا، تكاد لا تفارقها بالليل أو النهار، فقط عندما تذهب إلى الجامعة، وحتى في هذا المشوار تطلب من «شهد» أن توصلها إلى الجامعة، وتأتي لتأخذها إلى البيت بعد انتهاء اليوم الدراسي.

انقلب التمرد العنيف داخلها إلى تعلُّق مريض وغيرة طفولية.. تنطلق فى صورة بكاء وحزن بلا سبب.. إذا ما اهتمت «شهد» بأي إنسان آخر غيرها.. خصوصًا «ليلى».. تفهمت «ليلى» الموقف، فقلَّلت قدر الإمكان من الاقتراب من «شهد» مثلما كانت قبل مجىء «سارة» ودفعتها حساسيتها المفرطة لأن تطلب من أبيها «طارق» للمرة الأولى الانتقال للعيش معه في بيته بالدقى.

أما «سيف» فكان يسبح في محيط من المشاعر المتناقضة في هذه الفترة.. كان سعيدًا بانضمام شقيقته الوحيدة التي يحبها إلى موطنه الجديد «بيت العيلة».. ولم شمل الأسرة . لكنه كان حزينًا بسبب تلك العلاقة المتشابكة المتداخلة الخيوط التي تربط بين «سارة» و»شهد» من ناحية، وبين «ليلى» و»شهد» من ناحية أخرى.. إن «ليلى» تجد في «شهد» الأم الثانية لها هنا في بلدها مصر.. الأم التي احتضنتها، وهدَّأت من مخاوفها وهواجسها ومنحتها دفء العيلة وإحساس الوطن.

و»شهد» تحب «ليلى».. تشعر بها وتتعاطف تمامًا معها.. وترغب في أن تمنحها بعض الأمان المفقود في دنياها القاسية.

أما «سارة» فهي تغار على «شهد» من أي إنسان يقترب منها، وينازعها أية مساحة في قلب أمها، إذن ما الحل؟

هذا هو السؤال الذي ظل «سيف» يبحث له عن حل.. عن تسوية ما.. أسلوب ذكي يجمع تلك الخيوط الثلاثة في شبكة واحدة متحابة.. هل هذا حلم يراوده، أم أنه هدف يمكن تحقيقه بشىء من الصبر والدأب والإصرار؟ ما هو الشىء المشترك الذي يمكن أن يجمع بين الفتاتين؟

آه.. حبهما للـ»Modeling» وتصاميم الفساتين.. إنها الهواية التى عشقتها أختي «سارة» منذ طفولتها، ثم وجدت «ليلى» تحدثني عن تعلقها بها أيضًا منذ كانت طفلةً صغيرةً وحتَّى الآن.

فلتكن هذه نقطة البداية أو الخيط الرفيع الذي يمكن أن أنسج منه علاقةً جديدةً تجمع الفتاتين وتقربهما، وتسقط الحواجز النفسية السميكة القائمة بينهما.

كيف تفعل ذلك يا «سيف»؟ كيف تذيب الثلج المتجمد على جدار القلب؟.. وفوق إحساس كل منهما تجاه الأخرى؟

هيه.. هيه.. هيه.. إيه يا أبو الأفكار.. طب فكرة واحدة يا «سيف» فين أفكارك الحلوة يا أبو السيوف كلها؟

آه.. طنط «رجاء» هي المفتاح، هي الشخص المناسب والمطلوب لتنفيذ الخطة العبقرية بتاعتك يا «سيف الله».

- أنا فاكر أتيليه «The pretty bride».. فاكر الديفيليه اللي كانت طنط «رجاء» بتعزم ماما عليه؟ كان فيه موديلات جديدة.. جميلة.. وكانت طنط «رجاء» تقف في بداية عرض الأزياء وتحيي الجمهور، وتعلن أن كل الفساتين التى سيراها الحضور من تصميمها، وأنها خلطة مبتكرة تجمع بين أحدث «موضات» وموديلات أكبر بيوت الأزياء العالمية واللمسات الشرقية المميزة التى تناسب نساءنا، وفتياتنا الجميلات.

إذن - يا «سيف» - فالمفتاح عند طنط «رجاء»، لكن كيف أسأل أمي عنها؟ وبماذا أبرر مثلاً طلبى لرقم تليفونها؟ هل أقول لـ»شهد» إن إحدى زميلاتي تريد تليفونها لأنها ترغب فى شراء فساتين من تصميمها؟ لكن أمى تعرف كل زميلاتي وصديقاتي.. أنا تقريبًا أحكي لها تفاصيل حياتي.. إنها أقرب صديقة لي.

- ما رأيك أن تبحث عن رقم التليفون في الفهرس الموجود على ترابيزة التليفون، ومدوَّن به كل التليفونات التي تطلبها أمي.. هذه فكرة براقة.. لماذا لا أجرِّب؟

- الله.. الله عليك يا أبو السيوف، آهي نمرة موبايل طنط «رجاء» وكمان الرقم الأرضي لأتيليه «The pretty bride» طب وبعدين؟ نتصل ونجرب.

- آلو.. أيوه أنا كنت بسأل عن أقرب ديفيليه لمدام «رجاء».. وكمان أحب أسيب لحضرتك الإيميل الخاص بي علشان تبعتولي أي أخبار خاصة بكم.. أصل خطيبتي بتحب تصميمات مدام «رجاء» قوي.

ترد عاملة التليفون بأدب وود:

- تحت أمرك يا فندم.. حالاً هبعت لسيادتك كل الأنشطة اللي عندنا.. نتمنى نشوفك في الأتيليه.. أو في المركز.

- مركز؟ مركز إيه؟

- مركز الورش الفنية لتعليم الهواة فن الـ»Modeling» وتصميم الأزياء.. والتطريز.. والخياطة.

تتسع حدقتا « سيف» دهشةً وفرحًا ويقول لها بحماس:

- شكرًا.. ألف شكر يا آنسة.. حضرتك اسمك إيه؟

- «مروة».

- ألف شكر يا آنسة «مروة».. أرجوكِ اديني حالاً عنوان المركز.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف