نصف الدنيا
أمل فوزى
«أنا ونحن»
في علوم الإدارة توجد كلمتان تعتبران مفتاح النجاح والتميز وهما (vision)و(mission) الأولى تعني الرؤية أي كيف تقيم الوضع حاليا وما الذي تريد أن تصل إليه مستقبلا والكلمة الثانية وهي تعني المهمة أو الرسالة المطلوب تنفيذها حتى تتحقق تلك الرؤية، وهاتان الكلمتان يمكن أن تكونا من أهم أدوات النجاح سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الشركات والمؤسسات الكبرى، فكل شخص عليه أن يقيم وضعه الحالي ويحدد ما الذي يريده في المستقبل وفقا لقدراته وطموحاته ثم يحدد ما سيقوم به لتحقيق ذلك وكذلك الشركات وحتى الدول والحكومات، ربما لم يتطرق حديثي مع الدكتور مجدى يعقوب لهذه الكلمات بشكل مباشر لكنه كان يدور بشكل أو بآخر حولها، فعندما سألته عن أكثر ما يزعجه في مصر حاليا ويراه سببا جوهريا في تأخرنا قال أكثر ما يحزنني في مصر أن كل شخص يقول أنا أنا أنا والأمم لا تنبني إلا بكلمة نحن نحن نحن، البعض يرى أن المجتمعات الأوروبية غارقة في المادية والمصلحة الذاتية ولكن واقع الأمر أن سبب نجاح تلك الأمم هو أن تفكيرهم في أغلب الأمور يتم بطريقة نحن نحن، العمل يتم بشكل جماعي الكل يتعاون ويعمل سويا والامتيازات سواء الصحية أو الاجتماعية يحصل عليها الكل أيضا دون تفرقة، فمثلا إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية عندما كان كل شيء منهارا والمواد الأساسية غير متوافرة للمواطنين حتى الخبز كان لا يتم الحصول عليه إلا ثلاث مرات أسبوعيا فقط وبكميات محددة فإن الحكومة كانت رؤيتها البحث عن شيء يجمع كل المواطنين تحت مظلته ويساعد في تحسين أوضاعهم فقرروا رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها أن يقوموا بعمل تأمين صحي لكل المواطنين، وهذا كان له تأثير كبير على المجتمع حتى الآن فمثلا لو تسأل أي مواطن هناك هل تريد أن تحصل على خدمة صحية ممتازة فسيقول نعم ولو سألته هل تريد لجارك الذي يسكن في الحي الفقير الذي يبعد عنك أن يحصل على نفس مستوى الخدمة فيقول نعم بالطبع، وهذا الأسلوب في التفكير أصبح سمة عامة للشعب فمثلا أغلب الإنجليز لديهم كروت التبرع بأعضائهم لآخرين بعد وفاتهم، ولأن النسبة الأكبر هي التي تحمل هذا الكارت تم عمل نظام قائم على أن من يرفض التبرع فقط هو من يسجل اسمه في كشوف يتم العودة إليها باعتبار أنه العدد الأقل في المجتمع، وانظري إلى مصر رغم أن التكافل الاجتماعي ومحبة الآخر كانا ينبغي أن يكونا أساس المجتمع ولكن للأسف هذا لا يحدث فالخدمة الصحية متفاوتة للغاية بين الأغنياء والفقراء والتبرع بالأعضاء بعد الوفاة فكرة حاربها الكثير وإن كنت قد استطعت مع الدكتور غنيم أن نقرها عبر الدستور، وأضاف الدكتور مجدى يعقوب تعجبنى كلمة الرئيس السيسي «تحيا مصر» وأتمنى أن يكون الجميع مدركين أنها تعني يحيا المصريون فمصر هي الشعب وليست مجرد الأرض،. سألت الدكتور مجدي يعقوب عن الكيفية التي ينصلح بها حال التعليم والطلاب في مصر فقال لقد تم اختياري كعضو منتخب ضمن الجمعية الملكية التي تمثل العلماء في بريطانيا ودائما ما كانوا ينتخبون فيها العلماء فقط وليس الأطباء، هذه الجمعية وجدت أن هناك نقصاً في الأولاد الصغار الذين يتجهون إلى دراسة الفيزياء فقمنا بعمل بحث لكى نستطيع أن نعرف سبب إحجام الطلبة عن دراسة «الفيزياء، وكان من ضمن البحث أنهم سألوا علماء الجمعية الملكية في بريطانيا لماذا دخلوا الفيزياء فكان ردهم بأنهم كان لديهم مثل عليا كان لها دور في أن يتجهوا لدراسة علم الفيزياء، وتم تكليفي لإصدار وثيقة اسمها «كيف يبقى العلماء مثلاً أعلي للشباب» هذه الوثيقة خرجت من الجمعية الملكية وهي تتضمن «القيم» التي يحرص عليها المجتمع هناك، وهذا الأمر شديد الأهمية فعلى كل إنسان أن يعرف ما هي القيم التي تعد شيئا مهما في الحياة وهو ما نطلق عليه نحن «values» فمن المهم أن يكون الإنسان سعيدا في حياته، وهذه السعادة تأتى من النجاح، والنجاح يفسره البعض بأنه الشهرة وهذا خطأ كبير، لأن الشهرة تأتى وتذهب ولن يكون لها أي قيمة، وبالطبع المال ليس له أى قيمة أيضاً ولكن هناك ما هو أهم من الشهرة والمال وهو «القيم» فالسعادة هي تحقيق هذه القيم التي تقرر أنت أنها أقيم شيء في الوجود، فعلي سبيل المثال كانت رؤيتى لحياتي أن القيمة بالنسبة لي هي المجتمع، ويتحقق ذلك لي من خلال اكتشاف علمي أو تخفيف الألم للمرضي غير القادرين ومداواتهم، وهذا شيء يعطي سعادة ضخمة للغاية، وقد يمضي الإنسان فترة طويلة من حياته لكي يكتشف ما هي القيم المهمة بالنسبة له ولكن معرفة هذه القيم أمر مهم للغاية وهي نقطة الانطلاق لتحقيق أي هدف وحتى الدول عليها أن تدرك ما هي القيم التي تدافع عنها وتعتبر أن وجودها من وجود هذه القيم وأن تخطط للحفاظ عليها وكما قلت من المهم لمصر جدا أن يكون من ضمن قيمها إعلاء كلمة «نحن» وذلك على كافة المستويات. هذا بعض من حديث الدكتور مجدي والذي سأنشره كاملا قريبا بالمجلة، لكنني نشرت هذا الجزء الآن لعل وعسى كل من يقول «أنا أنا أنا» وهم كثر الآن أن يُجربوا كلمة «نحن» ولو مرة واحدة وأنا متأكدة أن النتيجة ستكون مبهرة.

نور الكلمات:

"يمكنك أن تصنع الجمال حتى من الحجارة التى توضع لك عثرة فى الطريق". غوته
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف